ما الأسباب الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي دفعت إلى حركة الإصلاح الديني المسيحي اللوثري

 

الأسباب الدينية. شهدت القرون الثلاثة التي سبقت حركة الإصلاح صراعًا بين ملوك أوروبا والكنيسة، فبعد أن كانت للكنيسة سلطة مطلقة على الحكام المدنيين، سعى الملوك إلى استرداد سلطتهم المدنية. وبلغ الأمر أن اضطهد بعض الملوك البابا، ولجأ البابا إلى ترك روما لفترة معينة، الأمر الذي أضعف من سلطة الكنيسة. كما شهدت هذه الفترة أيضًا صراعًا داخليًا بين الكرادلة، وتنافسًا فيما بينهم حول منصب البابوية.

إضافة إلى أنه ظهرت في هذه الفترة مفاسد كثيرة داخل الكنيسة وإقبال على الدنيا بين رجال الدين النصارى الذين استغلوا جمع الأموال عن طريق بيع المناصب الكنسية وصكوك الغفران، واستخدام هذه الأموال في بناء القصور الفخمة، والانغماس في ملذات الدنيا. الأمر الذي أضعف سلطة الكنيسة الروحية ومكانتها الدينية. وقد تولى بعض المصلحين مثل جون ويكلف في إنجلترا، وجون هس في بوهيميا وغيرهما انتقاد الممارسات والوقوف ضد تلك المفاسد. ولكنهم لم يستطيعوا إيقافها، بدأ الوعي العام يتأصل في العامة وقادتهم الروحية، وبدأ ينمو بين العامة شعور ديني عميق؛ الأمر الذي ولد نوعًا من القلق الشديد بين العامة ورؤسائهم الدينيين خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين.

**الأسباب الثقافية**

ظهر في الغرب منذ بداية القرن الرابع عشر الميلادي، ما يعرف بحركة النهضة التي دعت إلى الاهتمام بالإنجازات القديمة ودراسة آدابها وتاريخها وفلسفتها. وقد كان لذلك أثر كبير على النصرانية، إذ إن الاهتمام باللغات القديمة مثل العبرية واليونانية مكن العلماء من قراءة النصوص المقدسة في اللغات التي كتبت بها أصلاً، ودراسة الفترة النصرانية المبكرة عرف العلماء كيف تغيرت الكنيسة خلال القرون. كما أن اختراع الطباعة المتحركة مكن كثيرًا من الغربيين، من غير رجال الدين، أن ينالوا حظًا من التعليم والثقافة.

**الأسباب السياسية**

شهدت الفترة التي سبقت حركة الإصلاح توسع ملوك أوروبا في سلطاتهم السياسية في مقابل سلطة البابا والإمبراطور. وأصبح الملوك في إنجلترا وفرنسا وإسبانيا أكثر قوة، ونظموا شؤونهم المالية، وبنوا جيوشهم. وأصبح البابا لديهم مجرد قائد سياسي لدولة أجنبية لا سيطرة له ولا نفوذ على أقطارهم. وبعد بداية حركة الإصلاح انفصل بعض الملوك تمامًا عن سلطة البابا.

**الأسباب الاقتصادية**

كان اقتصاد أوروبا خلال القرون الوسطى اقتصادًا زراعيًا. ومعظم الناس كانوا فلاحين يعيشون في قرى صغيرة. وخلال القرن الثاني عشر الميلادي، بدأت تتكون المدن وتكبر؛ لاسيما في إيطاليا والترويج. وبدأت حركة تجارية نمت على إثرها ثروة المدن وأصبحت مستقلة، فرفضت إدارة الإقطاعيين المحلية وسيطرة الأساقفة. وهكذا اتجه التجار والأثرياء إلى الملوك والأباطرة للحماية. وهكذا أدت هذه الأسباب مجتمعة، إلى إضعاف الكنيسة وفقدان سيطرتها ومكانتها الدينية وأثرها على الجماهير.

تعليقات