الأعشى (؟ - ٦٢٩م)، ميمون بن قيس ابن جندل بن شراحيل؛ من شعراء المعلقات. وينتهي نسبه إلى ضبيعة بن قيس بن ثعلبة أحد الفروع التي تفرعت إليها قبيلة بكر. وكانت بكر تنزل في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية على امتداد ما بين وادي الفرات واليمامة في الجنوب الشرقي من نجد، وكانت قيس تنزل في إقليم اليمامة.
لُقب بالأعشى لضعف بصره ويكنى أبا بصير. وسمى صناجة العرب؛ لأنه كان يغني بشعره. وأمه بنت علس أخت المسيب بن علس الشاعر، وعنه حمل الشعر الأعشى إذ كان راويته.
عاش الأعشى في أواخر العصر الجاهلي وولد بقرية باليمامة يقال لها منفوحة (أصبحت إحدى ضواحي مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية). وقد أدرك الإسلام، ولكنه لم يُسلم، وتُروى له قصيدة في مدح الرسول ﷺ، تناولها عدد من الدارسين المحدثين بالنقد، وساقوا أدلة تثبت انتحالها عليه. وتشير أخباره في المصادر العربية وقصائده في الديوان إلى أنه كان كثير التنقل والأسفار، وأن تطوافه في أنحاء الجزيرة كان الهدف منه مدح السادة والأشراف؛ فقد مدح طائفة من أشراف العرب في نجد والحجاز، وأطراف اليمن، وفي الحيرة وبادية الشام. ولهذا حظي من قدر نفسه بالتكسب بشعره. وإن كان هذا هو رأي القدماء فيه؛ فإن الدارسين المحدثين يعدونه أهم شاعر حول المدح في الشعر الجاهلي إلى احتراف خالص من أجل التكسب والعيش. وهناك بعض العناصر النصرانية تسربت إلى شعره بسبب تطوافه الواسع في أرجاء الجزيرة العربية وما حولها.
وتردده على البيئات النصرانية في اليمن والشام والحيرة. والأعشى كلما يبدو من سيرته كان أسير شهواته ومصالحه الخاصة. ولذا كانت مدائحه وأهاجيه تُوظف لخدمة مصالحه. أما شعره فيبين أنه كان صاحب لهو وعبث؛ وصف الخمر شغفاً بها فأحسن وصفها. كما شغل وقته بمتابعة الجواري والقيان، وأكثر من وصفهن في شعره، ولذا كانت خلاعته ومجونه صورة أخرى لحياة امرئ القيس.
على أن الأعشى كان من الشعراء المُقدمين في الجاهلية؛ يمتاز بطول قصائده، وتصرفه في معظم فنون الشعر. وضعه ابن سلام مع شعراء الطبقة الأولى إلى جانب امرئ القيس وزهير والنابغة. وهو عند أبي عبيدة راوية الشعر المُقدمين، ومن قدمه احتج له بقوله:
هو أكثرهم عروضاً، وأذهبهم في فنون الشعر، وأكثرهم مدحاً وهجاء وفخراً ووصفاً، كل ذلك عنده. وهناك أقوال كثيرة أظهرت منزلة الشاعر عند الرواة والشعراء الأقدمين. وعند مقارنته بشعراء عصره يُلاحظ على شعره سهولة ألفاظه. ويعزى ذلك لرحلاته وتطوافه، واختلاطه بمراكز الحضارة في عصره.
وأشهر شعره معلقته التي مطلعها:
ودع هريرة إن الركب مرتحل
وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
وفيها يصف صاحبته بقوله:
هُرَيكِلَةُ الْفَتَى ذَرِمُ الْمَرَافِقِ كَأَنَّ أَخْمَصَيْهَا بِالشَّوْكِ مُنْتَعِلُ
إذا تقوم يضوع المسك أضورةً والزئبق الورد من أردانها خضلُ
مَارَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْحِزْنِ مَعْشَبَةٌ خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا الْوَبْلُ مُنْهَطِلُ
يَضَاحَكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرِقٌ مُؤَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ
يَوْماً بِأَطْيَبَ مِنْهَا نَشْرُ رَائِحَةٍ وَلاَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِذْ دَنَا الأَصُلُ