من هو أعظم أباطرة الهند

 

أكبر (١٥٤٢ - ١٦٠٥م). أعظم أباطرة الهند المغول، ويأتي في المرتبة الثالثة في سلسلتهم. وخلال فترة حكمه التي امتدت ٤٩ عاماً من عام ١٥٥٦م وحتى وفاته سيطر على معظم شمالي ووسط الهند وأفغانستان.

كان راعياً عظيماً للمعماري والفن والأدب، وكان بلاطه غنياً بالثقافة والثروة المادية. أقنعت شهرته إليزابيث الأولى ملكة إنجلترا بإرسال سفيرها السير توماس رو إلى المنطقة. ومازال العديد من البنايات أكبر موجودة حتى اليوم، وتشمل القلعة الحمراء في أكرا ومدينة فتحبور سيكري التي يحيط بها سور طوله عشرة كيلو مترات.

ورغم أنه كان أمياً لايعرف القراءة والكتابة إلا أنه جمع آلافاً من المخطوطات التي تتميز بالحفظ الجميل والرسومات. أحاط نفسه بالعلماء والمعالجين والموسيقيين والرسامين والمترجمين. ورغم أنه لم يهجر معتقداته الإسلامية، إلا أنه كان يستمتع بالمناظرات الدينية. وفي نهاية الأمر كون مذهباً جديداً سماه الدين الإلهي وكان يمثل له وحدة كل المعتقدات الدينية.

ولد في أوماركوت بالسند وهي الآن إحدى محافظات باكستان. توفي والده الإمبراطور همايون، وكان عمره آنذاك ثلاثة عشر عاماً. أصبح حاكماً لأجزاء من شمالي الهند وهو في مقتبل العمر. كان فخوراً باثنين من أسلافه المشهورين جنكيز خان وتيمورلنك، وهما من أبطال المغول الفاتحين، درب أكبر كقائد عسكري منذ طفولته، وعندما بلغ العاشرة من عمره منح القيادة العسكرية الأولى في حياته. وعلى الرغم من عدم تمتعه بقامة طويلة، إلا أنه كان قوياً وسليم الجسم. وكان يبدو مثيراً للإعجاب في ثيابه الفخمة.

كان أول إمبراطور مغولي يجدد شخصيته بصورة تامة بالهند. غزا جده بابار السهول الهندية واحتل بالقوة كل ما كان في استطاعته من الأراضي. ولكي يضمن استمرارية ولاء قادته، قام بمنحهم أراضي واسعة. حكم هؤلاء القادة تلك الأقاليم. باستخدام جيوشهم الخاصة في جمع الضرائب، والاستيلاء على كل ما استطاعوا الوصول إليه من الثروات.

أما والده همايون فقد هرب من البلاد، عندما واجه تحدياً من الحاكم الأفغاني شير شاه. لكنه استطاع استعادة العرش في دلهي بمساعدة شاه الفرس. وظل ملكاً يحكم عن طريق الغزو.

ولم يقتنع هؤلاء الحكام المغول في ذلك الوقت بأنهم مقيمون دائمون في الهند، كما أنهم لم يشعروا بأية مسؤولية تجاه الدولة وشعبها. أما أكبر فقد ولد بالهند ولم يعش في أية منطقة سواها. لذا كان ذا دراية بالأرض وبأهلها. تزوج بأميرة هندوسية من راجبوت، رغم أنه كان مسلما وسمح لها أن تمارس عباداتها بحرية في قصره.

عندما اعتلى أكبر العرش عام 1556م لم تكن مملكته تمتد أبعد من البنجاب، وإقليم دلهي. وقد أحسن رئيس وزرائه بيرام خان توجيهه وإرشاده إذ سرعان ما بدأ أكبر في فتح الممالك الهندوسية المجاورة. وكان فتحه لمالوا عام 1561م قد مهد له الطريق للأراضي الغنية في غربي الهند. تميز الأمراء الراجبيتون الهندوس بالقوة والمهارة العسكرية، إلا أن أكبر نجح في التعامل معهم بطريقة دبلوماسية إذ سمح لهم بالاحتفاظ بمالكهم شريطة اعترافهم به حاكماً مطلقاً عليهم بدفعهم للجزية وتزويده بالجنود. وقد ضمن هذه الاتفاقيات بزواجه من أميرات العشيرة الملكية للراجيوت.

لم يبد أكبر أية رحمة تجاه معارضيه من الحكام. وكانت مقاومته تتطلب شجاعة عظيمة. ولكن عندما دالت له السيطرة، كان أكبر عادلاً وكريماً مع المسلمين والهندوس على حد سواء. وبرغم ذلك فقد أدى قبوله للهندوس حلفاء له وقادة عسكريين وحكاماً وإداريين إلى حدوث امتعاض وسط حاشيته الملكية المسلمة. قام بإلغاء الضرائب المفروضة على الهندوس عند ذهابهم للزيارة.

كما ألغى الجزية التي كانوا يدفعونها عن فشلهم في أداء الخدمة العسكرية. وكان ذلك أمراً مهماً إذ إن العديد من الهندوس كانوا ممنوعين بحكم طاقتهم الاجتماعية من حمل السلاح ورغم ذلك كان عليهم دفع تلك الجزية. وبهذه الطريقة استطاع أكبر أن يظفر تدريجياً بتعاون الهندوس سواء كانوا حكاماً أو رعية.

لم يكن أكبر يسمح لحكام المناطق بالبقاء في مناصبهم فترات طويلة لأنه لم يرد أن يصبحوا أقوياء. وكان يعين كل موظفيه الأقاليم بنفسه. لذلك كانوا يدينون له بمناصبهم وأصبحوا مسؤولين لديه. ونتيجة لذلك استطاع أن ينشئ حلقة من المخبرين في طول المملكة وعرضها. وكان الموظفون يتجسسون على زملائهم ويبلغون الإمبراطور بأي حرم أو سلوك مشكوك فيه.

وكان وزير الإيرادات في البلاد يعين موظفي الإيرادات في الأقاليم وكانوا يوافونه بتقارير أسبوعية. منح قادة الجيش المال اللازم لمواجهة مصاريف جنودهم. لكن أكبر قام بحفظ سجلات مفصلة بها أسماء وأوصاف الجنود وحتى الخيول قد تم وسمها؛ حتى يمنع قادة الجيش من الغش بفصل بعض الرجال والانتفاع برواتبهم.

استحدث أكبر أيضاً نظاماً ضريبياً جديداً أكثر دقة يقوم على تقديرات دقيقة لجداول إنتاجية المحاصيل. وكان محصول الضرائب يملكون جداول للمناطق الخاصة بهم، يستخدمونها في حساب كمية المحصول التي يجب أن يساهم بها المزارعون. حولت هذه المساهمة العينية فيما بعد إلى قيمتها النقدية وهي تختلف من منطقة إلى أخرى. ويعزى ذلك إلى اختلاف أسعار الغذاء في مختلف أجزاء الإمبراطورية.

ورغم استمراره حدوث الأعمال الظالمة إلا أن أكبر حاول أن يكون عادلاً بقدر المستطاع في كل مكان من إمبراطوريته المتنامية. وعام 1573م، ظفر أكبر بمنطقة غوجارات بكل ما تملكها من موانئ نشطة وتجارية فيما وراء البحار. ونجح أخيراً عام 1587م بالاستيلاء على البنغال، واستولى على كشمير عام 1586م، وعلى السند في عام 1591م، وعلى قندهار عام 1595م. وتوفي أكبر في أجرا عام 1605م.

تعليقات