إذا كان الرأسمالية نظام بسيط، فلماذا ينجح وينتشر؟

 




الاقتصاد الرأسمالي
في كل يوم ينكب الملايين من الرجال والنساء في الدول الرأسمالية على العمل في المزارع والمصانع والمكاتب، وينتجون ثروة هائلة من السلع والخدمات في كل سنة. ولا تفرض الحكومات على الناس المكان الذي يجب أن يعملوا فيه، كما لا تقرر ما الذي يجب إنتاجه في المزارع. كذلك لا تفرض الحكومات الأسعار التي يجب دفعها ثمناً لمعظم السلع والخدمات. وعلى الرغم من ذلك، فإن العمل يُنفذ والأسعار تُحدد، ويتلقى معظم الناس المنتجات التي يحتاجونها.
كيف يعمل الاقتصاد على الرغم من هذا النزر اليسير من التخطيط؟ إن رغبة معظم الناس في تحسين مستوى معيشتهم هي التي تجعل هذا النظام ناجحاً. فللناس مطلق الحرية في أن يحسنوا من وضعهم الاقتصادي؛ إذ يمكنهم أن يحاولوا الحصول على وظيفة في المكان الذي يفضلونه على سواه، وبصورة عامة فإنه يمكنهم إنفاق دخلهم بأي طريقة يودونها. وتشارك الحكومة بالطبع في العديد من النشاطات الاقتصادية المهمة. ولكن في معظم الأحوال، فإن الاقتصاد الرأسمالي يعمل وحده، أي يضطلع الناس بدور المستهلكين والعمال والإدارة. ويتخذ الأفراد والمنشآت الخاصة، مع المؤسسات الأخرى، قراراتهم الاقتصادية الخاصة بهم. وتتشكل هذه القرارات افراد
اقتصادية مثل العرض والطلب والأرباح والأسواق والأسعار والمنافسة وتوزيع الدخل.
المستهلكون. هم أناس يستعملون السلع والخدمات.
وفي الاقتصاد الرأسمالي يحدد المستهلكون ما يجب أن ينتج وذلك عن طريق الأشياء التي يختارون شراءها.
ويستعمل الاقتصاديون مصطلحي العرض والطلب للمساعدة على توضيح الكيفية التي يؤثر بها المستهلكون على الإنتاج. فإذا افترضنا - على سبيل المثال - أن الآلاف الناس أقبلوا على شراء أسطوانة جديدة من أسطوانات الهاكي، فإن محلات بيع الأسطوانات تبدأ عندئذ في طلب المزيد من نسخ هذه الأسطوانة من الشركة التي تصنعها، فيتعين عليها أن تزيد من إنتاجها منها. وهكذا تنتج الشركة كميات عرض أكبر من الأسطوانة لأن الناس زادوا من الطلب عليها. فإذا اشترى الناس نسخاً أقل من الأسطوانة بعد مضي بعض الوقت، فإن المحلات ستطلب نسخاً أقل من الشركة. وستنتج الشركة نسخاً أقل حينذاك. انظر: العرض والطلب.
الأعمال والأرباح. تنتج الكثير من مشروعات الأعمال الأشياء التي يرغب فيها المستهلكون. فقد يمتلك فرد واحد منشأة صغيرة ويقوم بتشغيلها، مثل صالون للحلاقة أو محطة للمحروقات. وقد يكون اثنان أو أكثر
شراكة بينهما لتأسيس مشروع عمل. وقد تكون الأنواع الأخرى من مشاريع الأعمال شركات كبيرة الحجم، يمتلكها العديد من الناس. وتنتج بعض المنشآت السلع، مثل الأغذية والملابس، كما ينتج البعض الآخر خدمات، مثل النقل وبرامج التلفاز.
والمعلوم أن الهدف الرئيسي لمعظم مشاريع الأعمال هو تحقيق الأرباح، والأرباح هي ما تكتسبه المنشأة من أعمالها فوق إجمالي التكاليف. وتتضمن تكاليف إنتاج حلة من القماش مثلاً، تكلفة القماش وأجر العمال الذين يحيكون الحلة ونفقات المعدات والآلات، وتكلفة الإعلان عن الحلة، وهكذا. ويجب أن يتضمن سعر الحلة كل هذه التكاليف - فضلاً عن ربح للشركة التي تصنع الحلة.
وتقود الرغبة في تحقيق الأرباح مديري الأعمال إلى إنتاج السلع والخدمات، التي يطلبها المستهلكون ويبيعها لهم. ويؤثر دافع الربح على المديرين، ويدفعهم إلى تنظيم أعمالهم وتشغيلها بكفاءة. ويمكن للمنشأة بتخفيض الوقت الضائع والمواد الخام، أن تخفض من تكاليف إنتاجها. ومعنى هذا أن التكاليف المنخفضة تعني أرباحًا مرتفعة. ويساعد المديرون في تقرير كيفية إنتاج السلع والخدمات، وذلك بالطريقة التي ينظمون بها الإنتاج ويديرونه في سبيل تحقيق الأرباح.
على أن المحصول على أعلى قدر من الأرباح ليس هو الدافع الوحيد للشركات. فكثير من الاقتصاديين يعتقدون أن هنالك أهدافًا أخرى تدفع برجال الأعمال في العديد من الشركات إلى العمل، نظراً لإحساسهم بأهميتها. وقد تشمل هذه الدوافع في أشياء مثل تحقيق أقصى قدر من المبيعات لمنتج معين، أو زيادة قيمة أصول الشركة، أو الوجود الفعلي للمنشأة، وانتشارها في أكبر عدد ممكن من البلدان.
ولكلمة الأرباح أكثر من معنى؛ فعلى وجه التحديد، لا يفهم المحاسب الأرباح فهم الاقتصادي لها؛ فقد تظهر شركة أرباحًا بالمعنى المحاسبي، لكنها تكون خاسرة بالمعنى الاقتصادي. ويكمن أحد الفروق المهمة بين الاقتصادي والمحاسب في أن الاقتصاديين يخصمون تكاليف معينة من مقياس الأرباح، بينما يضمن المحاسب تلك التكاليف في الأرباح. وقد تكون هذه التكاليف إيجارًا للأرض أو المباني التي تشغلها الشركة في إدارة أعمالها. وفي واقع الأمر فقد تمتلك الشركة الأرض والمباني. ويعتقد الاقتصاديون أن القيمة السوقية لهذا الإيجار يجب أن تخصم من الأرباح بحكم أنها تكلفة، ولكن يرى المحاسبون أن من الواجب ضمها إلى الأرباح.
وكثير من المستشفيات والجامعات والمنظمات الخيرية والكثير من المؤسسات الأخرى، لا تحاول أن تحقق أرباحًا، على الرغم من أنها تعرض سلعًا وخدمات يريدها الناس. وتبيع بعض هذه المؤسسات اللاربحية (التي لا تعمل بالربح سلعها وخدماتها، بينما يوزع بعضها الآخر دون مقابل). ومع ذلك يفترض في مديري هذه المؤسسات العمل على إنتاج السلع والخدمات بكفاءة، وبصورة اقتصادية. ولكن بوسعهم أيضاً أن يتابعوا أنشطة وأهدافاً قد لاتقود إلى تحقيق الأرباح.
الأسواق والأسعار والمنافسة. كلما جرى تبادل بالبيع والشراء للسلع والخدمات برز سوق للموجود. وقد تكون السوق مجالاً تجارياً صغيراً على النطلاق المحلي، كما قد تكون سوقاً عالمية للأسهم. وفي الأسواق الكبيرة، قد لا يلتقي معظم البائعين والمشترين البتة، إذ قد يمارسون أعمالهم بوساطة شبكات الهاتف أو التلكس أو الفاكس أو الحاسوب.
وفي الاقتصاد الرأسمالي تصعد الأسعار في الأسواق وتهبط، كلما ارتفع الطلب أو العرض أو انخفض. فإذا افترضنا أن ٠٠٠ ، ٠١ أسرة تريد شراء سيارات جديدة، في حين جرى إنتاج ٠٠٠ ، ٩٠ سيارة فقط، فعلى هذا قوى الكمية المطلوبة الكمية المعروضة، وربما يحدو هذا البائعين إلى حسبان أن الكثير من الأسر على استعداد لدفع
المزيد لسيارة إحدى السيارات المحدودة العدد. ونتيجة لذلك، فقد يرفع البائعون أسعار السيارات. وفي الوقت نفسه، يبدأ المصنعون في إنتاج المزيد من السيارات. وذلك لبيع المزيد منها لزيادة أرباحهم. وفي النهاية، ومع إنتاج المزيد من السيارات، تبدأ الكمية المعروضة في اللحاق بالكمية المطلوبة.
وفي الاقتصاد الرأسمالي أيضاً، توفر مشاريع الأعمال منتجات متشابهة، ويتنافس بعضها مع بعض من أجل كسب المشترين. ونتيجة لذلك، ينبغي على مشروعات الأعمال أن تفرض أسعاراً معقولة وأن تحافظ على مستوى مرتفع من الجودة لمنتجاتها. فعلى سبيل المثال، إذا رفعت إحدى البقالات سعر كيس من السكر، فقد يفضل زبائن تلك البقالة شراء الكمية نفسها من بقالة أخرى بسعر أقل من السعر السابق. وربّ مشاة تُقدم لزبائنها منتجات قليلة الجودة تخسر أولئك الزبائن، الذين يفضلون شراء منتجات أعلى جودة من مكان آخر.
وتُعدّ المنافسة أمراً ضرورياً في الكثير من النظم الاقتصادية الرأسمالية إلى درجة أن الحكومات قد قوانين لفرض المنافسة. وتمنع هذه القوانين الاتفاقيات بين البائعين التي تتدخل في أداء المنافسة، كما تحظر قوانين أخرى معظم أشكال الاحتكارات. وفي الاحتكار، تتحكم شركة واحدة في معظم السلع في سلعة معينة. كذلك تمنع قوانين أخرى قيام معظم اتحادات المنتجين وبعض الاتحادات الاحتكارية الأخرى والاتحادات التي تتكون من مجموعات من المنشآت تتحكم في كل ما يرتبط بصناعة معينة أو بمعظمها. انظر: مكافحة الاحتكار، قوانين.
توزيع الدخول في ظل الرأسمالية، يعتمد تحديد من يحصل على السلع والخدمات المنتجة اعتماداً أساسياً على الذي يمتلك القدرة على شرائها. وتعتمد الكمية التي يستطيع الناس شراءها من السلع والخدمات على حجم الدخل الذي يتلقونه.
ويكسب الناس دخلهم بوسائل متعددة. فمعظم الناس يتلقى دخله على هيئة أجور أو رواتب مقابل العمل. وتتلقى مشاريع الأعمال دخلها في صورة أرباح تعود على أصحابها. وكذلك الشركة أولئك الذين يشترون جزءًا من أسهمها ويتلقون دخلهم عادة في صورة أرباح موزعة. ويلقى ملاك الأرض والعقارات دخلهم في صورة إيجارات. أما أصحاب السندات والحسابات الادخارية فيتلقون العائد على هيئة فائدة. وينتفع كثيرون من البرامج الحكومية، حيث يتسلمون مدفوعات تحويلية، مثل الضمان الاجتماعي وعلاوات التقاعد. ويُسمى إجمالي

الدخل المتحصل عليه في البلاد الدخل القومي. وفي البلدان المتصاحبة، تمثل الأجور والمرتبات ومستحقات الموظفين عادة حوالي ثلاثة أرباع الدخل القومي.
وفي ظل الرأسمالية، يكسب الناس دخلهم بإنتاج السلع والخدمات التي يطلبها المستهلكون. وتؤثر قوى العرض والطلب كذلك في مقدار دخل الفرد. فعلى سبيل المثال؛ من المتوقع أن تدفع شركة صناعية مبالغ أكثر لمديري المصنع من تلك التي تدفعها للعمال غير المهرة؛ إذ تدفع المنشأة أموالاً أكثر للمديرين لأن مبيعات المنشأة وأرباحها تعتمد اعتماداً كبيراً على نوعية القرارات التي يتخذها المديرون. وكذلك قد يندر توافر المديرين بالمقارنة مع العمال، ومن هنا يضطر أصحاب العمل إلى إنفاق أموال أكثر ليتمكنوا من جذب هؤلاء.
وفي كثير من الصناعات، يتجمع العمال في منظمات لمزاولة دخلهم. ويتفاوض العمال عن طريق نقاباتهم مع أصحاب العمل لتحديد الأجور، وساعات العمل، وقوانين الأمن والسلامة، والظروف الأخرى المحيطة بعملهم. ويمكن أن تسبب زيادة الأجور في بعض الصناعات الكبيرة، مثل الفحم والحديد، في زيادة الأجور على نطاق الاقتصاد كله. ويتمتع العمال في بعض الصناعات بحماية قوانين الحد الأدنى من الأجور التي تنجزها الحكومات. وتحدد هذه القوانين الحد الأدنى الذي يمكن لصاحب العمل أن يدفعه لعامل مقابل ساعة من العمل.
وفي الاقتصاد الحر، تؤدي الادخارات والاستثمارات الخاصة دوراً مؤثراً في النمو الاقتصادي. فحين يدخر الناس جزءًا من دخلهم، يصبح من الضروري عليهم أن ينفقوا أموالاً أقل على السلع الاستهلاكية والخدمات. ومن هنا يتوافر المزيد من الأموال لعملة الآلات وبناء المصانع. ويمكن للمدخرين إيداع أموالهم في المصارف التي تقوم بدورها بإقراض مشاريع الأعمال. كذلك يمكن للمدخرين أن يستثمروا أموالهم في الأسهم والسندات التي تطرحها الشركات. وبإمكان هؤلاء المستثمرين، يمكن للمنشآت أن تزيد من مواردها الصناعية. وفي الاقتصاد الرأسمالي، تعتمد سرعة نمو الاقتصاد اعتماداً كبيراً على مدى استطاعة المستهلكين وشركات الأعمال الادخار والاستثمار. انظر: الاستثمار.

تعليقات