كيف بدأت الحضارة الإغريقية إلى احتلال الرومان لبلادهم والقضاء على حضارتهم

 


البداية: ظهرت أول حضارة رئيسية في بلاد الإغريق في كريت، تلك الجزيرة الواقعة في بحر إيجة، وكان ذلك نحو عام ٣٠٠٠ ق.م. وقد عرفت بالحضارة المينوية نسبة إلى الملك مينوس، الحاكم الأسطوري لكريت. ودامت

سيطرتهم على بحر إيجة حتى منتصف القرن الخامس عشر قبل الميلاد، عندما تمكن الميسينيون من تكوين إمبراطورية ميسينية كبرى. تمكنت من القضاء على كريت، إلا أنها اتخذت بعضاً من المعالم الحضارية المينوية، مثل نمط الكتابة. ويعتقد المؤرخون أن الميسينيين كسبوا الحرب ضد طروادة، في آسيا الصغرى (تركيا الآن) في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد. تلك الحرب التي ألهمت العديد من الأعمال الأدبية القديمة الكلاسيكية. انظر: حرب طروادة.

لم تعمر الحضارة الميسينية طويلاً، فسرعان ما تهاوت بعد القرن الثالث عشر قبل الميلاد بقليل؛ عندما داهمهم الدوريون وهم غزاة جدد من الشمال، وفر الكثير من سكانها إلى آسيا الصغرى. وتعرف هذه الفترة من تاريخ بلاد الإغريق بالعصر المظلم الذي استمر حتى عام ٨٠٠ ق.م. ونسي الإغريق الكتابة بأبجدية مأخوذة من الكتابة الفينيقية. ولقد روى بعضاً من أشعارهم بإفاضة الشاعر الضرير هوميروس في ملحمتيه الإلياذة والأوديسة.

تطور الدول - المدن الإغريقية. بدأ تطور الدول - المدن الإغريقية خلال العصر المظلم. فأحياناً كانت بعض الدول

المتجـاورة تسعى للاتحاد فيما بينها بغية تكوين دولة كبرى، مع محاولة معظم الدول الحفاظ على استقلالها. وفي البداية، كان الملوك يعملون في تلك الدول بمشورة النبلاء الأغنياء. لكن سرعان ما طرد النبلاء الملوك نحو عام ٧٥٠ ق.م.، وتسلموا زمام الأمور.

واجهت بلاد الإغريق في تلك الأثناء المشكلة المتمثلة في زيادة أعداد السكان، وقلة الأراضي الزراعية؛ ولذا اندلع القتال بين الدول المتجاورة، حيث كان القتال من أجل الحدود أحد أسبابها. وقد نما بعض تلك الدول على حساب الدول الأخرى؛ فأسبرطة أصبحت قوية من خلال قهرها الشعوب المجاورة وتغلبها عليها. وبذلك غدا الكثير من أهالي تلك الدول يعملون في الأراضي لصالح سادتهم من الأسبرطيين.

دفع نقص الأراضي العديد من الإغريق إلى مغادرة دولهم. وبذلك قيض لهم تأسيس دول جديدة على طول شواطئ البحرين الأبيض المتوسط والأسود خلال المدة الواقعة فيما بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد.

وكان أكثر المستوطنات تطوراً في جنوبي إيطاليا وصقلية وقد أصبحت تعرف باسم بلاد الإغريق الكبرى.

تحول الكثير من المزارعين الإغريق إلى عبيد نتيجة صغر مساحات الأرض التي يعملون بها وكثرة الديون عليهم وتعذر سدادها، الأمر الذي أدى إلى خسارتهم الأرض والحرية.

أشكال جديدة من الحكم. أدى تزايد عدم الاستقرار إلى وصول الطغاة للسلطة في العديد من الدول، ونتيجة للثورات أيضاً، أطلق لقب طاغية للدلالة على القائد الذي يستولي على الحكم المطلق عن طريق القوة.

أنجز العديد من الطغاة بعضاً من أهداف أتباعهم، فعلى سبيل المثال، قاموا بتوزيع الأراضي الزراعية، وسخروا الشعب للعمل في مشاريع عمرانية كبيرة، وأخيراً زاد الطغاة من اهتماماتهم بتنمية قوتهم أكثر من خدمتهم للشعب.

ثم التخلص من الكثير من الطغاة عن طريق الأوليغاركية؛ حيث تولى الحكم عدد من الأثرياء والنبلاء، وأخذ العديد من الدول في التحرك نحو الديمقراطية. وفي عام ٥٩٤ ق.م.، تسلم الأثينيون مقاليد الحكم ومثلهم رجل دولة يدعى سولون، بغية إصلاح القوانين. فأنهى عبودية المدينين، وقسم المواطنين إلى طبقات تبعاً للثروة، وحدد الحقوق والواجبات لكل طبقة. ووضع أيضاً مسودة قانون. وبعد أن ترك سولون منصبه بأمد قليل، اندلعت

حرب أهلية في عام ٥٦٠ ق.م.، واستولى على الحكم طاغية عرف باسم بيسيستراتوس.

واقترح كليسثينيز عام ٥٠٨ ق.م. دستوراً يجعل من أثينا دولة ديمقراطية، معتمداً حق الاقتراع في الجمعية لكافة الرجال الأحرار البالغين، وأنشأ مجلساً يضم خمسمائة عضو، وكانت أبواب العضوية فيه مفتوحة أمام كل مواطن، ولذا فإن إصلاحاته أتاحت الفرصة لكافة المواطنين للخدمة في الحكومة.

الحروب الفارسية. توسعت الإمبراطورية الفارسية بسرعة، وتمكنت من هزيمة العديد من الدول الإغريقية في آسيا الصغرى خلال القرن السادس قبل الميلاد. وفي الفترة الواقعة بين عامي ٤٩٩ و ٤٩٤ ق.م.، تمردت تلك الدول على الحكم الفارسي، فما كان من الملك داريوس الأول إلا أن شن حملة عسكرية كبيرة، تمكنت من سحق الثورة، ومن ثم تابعت قواته التقدم باتجاه أثينا، لتأديبها، بسبب دعمها للثائرين الإغريق.

في آسيا الصغرى، منيت القوات الفارسية بهزيمة كبيرة في معركة ماراثون عام ٤٩٠ ق.م.، التي أوقفت المد الفارسي. جدد خليفة دارا أحورشورش الأول، حملته العسكرية ضد الإغريق. وإزاء الخطر الداهم، توحدت بعض الدول الإغريقية تحت قيادة أسبرطة للقتال ضد الغزاة. هزمت القوات الفارسية قوة إغريقية صغيرة في ممر الثرموبايلي الضيق، وتابعت تقدمها نحو أثينا، عندئذ، ووفقاً لخطة تميستوكليس، جرى سحب الأسطول الأثيني إلى خليج سلاميس؛ حيث تمكن من تحقيق النصر على الأسطول الفارسي، وأغرق ما يقرب من نصف الأسطول. ورجع الملك الفارسي إلى بلاده مع بقايا قواته. وبعد ذلك، نجح الإغريق في تصفية القوات الفارسية المتبقية عام ٤٧٩ ق.م.

التنافس بين أثينا وأسبرطة. لم يطل أمد التعاون الذي تم فيما بين الدول الإغريقية، إبان الحملات الفارسية. وفي عام ٤٧٧ ق.م.، نظمت أثينا تحالفاً سمي الحلف الديلي. وكان يضم مجموعة الدول الواقعة في آسيا الصغرى والجزر الإيجية، في حين قادت أسبرطة تحالفاً آخر، فيما بين دول البيلوبونيسوس.

خاض المتحالفان صراعاً من أجل السيادة على العالم الإغريقي، خلال أواسط وأواخر القرن الخامس قبل الميلاد.

وصلت أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد إلى القمة من حيث القوة والثروة، وكانت مركز الحضارة في عالم الإغريق. وكان بيريكليس قائد الأثينيين فيما بين عامي ٤٦١ و ٤٢٩ ق.م. اعتبرت الفترة الواقعة فيما بين عامي ٤٧٧ و ٤٣١ ق.م. العصر الذهبي لبلاد الإغريق، وتميزت هذه الفترة من خلال أدبها المتميز، وإنجازاتها الفنية. خلال هذا العصر،كتب المسرحيون الإغريق أيسخيلوس، وسوفوكليس، ويوريبيدس، العديد من روائعهم. وبنى المعماريون والنحاتون الإغريق، البارثينون على الأكروبوليس.

وشهدت الحرب البيلوبونيسية حداً للعصر الذهبي في بلاد الإغريق، حيث اندلعت هذه الحرب فيما بين أثينا وأسبرطة عام ٤٣١ ق.م.، واستمرت الحرب المدمرة بين الطرفين حتى عام ٤٠٤ ق.م.، وتضرجت أثينا منها منهكة. ومنذ زمن الأمر سوءاً، إذ أنينا نفسها عام ٤٣٠ ق.م. بالطاعون الذي أودى بحياة ثلثي السكان فيها، بمن فيهم بيريكليس. وهكذا غدت أثينا غير قادرة على القيادة؛ ومن ثم استمرار الحرب فلّح أسبرطة. سيطرت أسبرطة على بلاد الإغريق، ولكن لأمد قصير، وسرعان ما اندلع القتال بين الدول، وتمكنت طيبة من هزيمة أسبرطة عام ٣٧١ ق.م. ونتيجة لهذا، تدهورت مستوى الحياة، وساءت الظروف الاقتصادية، واندلعت الصدامات العنيفة فيما بين الأغنياء والفقراء، وغدت الفردية والأنانية من العادات المسيطرة على عامة الناس، وفقدت عدة دول حيويتها.

أصبحت مقدونيا الدولة الأقوى بعد هذه الحروب المدمرة، في حين آل الوضع والضعف للدول الإغريقية، وانطلق الملك فيليب الثاني، ملك مقدونيا عام ٣٥٩ ق.م.، على رأس حملة عسكرية لمهاجمة الإغريق. وبذلك نجح في وضع حد لاستقلال الإغريق عام ٣٣٨ ق.م. وبعد اغتيال الملك فيليب في حربه ضد الإغريق، وتحقيق الانتصار عليهم إثر معركة كارونيا، وضع خططاً جديدة تقضي بتشكيل جيش مقدوني - إغريقي لمهاجمة بلاد فارس. لكنه قتل على يد رجل مقدوني عام ٣٣٦ ق.م.

العصر الهيلينستي. خلف الإسكندر الأكبر والده الملك فيليب في الحكم، وهو في العشرين من عمره، وتبنى مشاريع والده في غزو بلاد فارس، وقاد حملة ناجحة عام ٣٣٤ ق.م.، تمكن الإسكندر من فتح معظم الأراضي الفارسية في أقل من عشر سنوات، وبذلك امتدت إمبراطوريته الجديدة من بلاد الإغريق حتى الهند. زادت فتوحات الإسكندر من سرعة انتشار الأفكار الإغريقية، وطريقة الإغريق في الحياة، إلى كل من مصر والشرق الأوسط، ومات الإسكندر عام ٣٢٣ ق.م. وقسم قادته إمبراطوريته إلى دول وراثية، وبقيت بلاد الإغريق تحت السيادة المقدونية. عرفت الفترة التالية لموت الإسكندر بالعصر الهيلينستي. واستمرت هذه الحقبة في بلاد الإغريق حتى عام ١٤٦ ق.م.، عندما آلت مقاليد الأمور إلى الحكم الروماني. إبان تلك الفترة، استمرت الثقافة الإغريقية في التأثير على كافة الأراضي التي فتحها الإسكندر، وفي الوقت نفسه، وصلتها الأفكار الشرقية.

عانت بلاد الإغريق الحروب المختلفة وانتشار الدمار خلال القرن الثالث قبل الميلاد. شكلت الدول الإغريقية منظمتين للقتال من أجل الاستقلال، لكن الملوك المقدونيين حافظوا على السيطرة عليهم، وخاضت المنظمتان قتالاً ضارياً فيما بينهما.

الحكم الروماني. ونتيجة لهذه الفتوحات، أصبحت روما في القرن الثالث قبل الميلاد، إحدى أكثر الأمم قوة في غربي المتوسط، وبعد ذلك أخذت روما في التوسع شرقاً، وتمكنت من السيطرة على بلاد الإغريق في الأربعينيات من القرن الثاني قبل الميلاد. وكذلك أخضعت مقدونيا لحكمها. لم يعد لأي من الدول الإغريقية قوات عسكرية قوية، أو أنظمة سياسية، وبالرغم من هذا؛ فقد ازدهرت التجارة والزراعة والصناعة والنشاطات الثقافية. أخذ الرومان من الإغريق الفن والدين والفلسفة وطريقة المعيشة، وكذلك نشروا الثقافة الإغريقية في أراضي إمبراطوريتهم.

انقسمت الإمبراطورية الرومانية عام ٣٩٥ م. وأصبحت بلاد الإغريق جزءاً من الإمبراطورية الرومانية الشرقية. وفي عام ٤٧٦ م، سقطت الإمبراطورية الرومانية الغربية، وظلت الإمبراطورية الشرقية باسم الإمبراطورية البيزنطية حتى عام ١٤٥٣ م، عندما أسقطها الأتراك العثمانيون. كانت اللغة الإغريقية اللغة الرسمية للإمبراطورية البيزنطية، في حين كانت الثقافة الإغريقية الأساس للمؤسسات البيزنطية.

تعليقات