الاقتصاد بين الإسلام والنظم الوضعية
إذا قارنا نظام الإسلام الاقتصادي بالنظام الرأسمالي مثلاً؛ نجد أن الفلسفة التي تحرك النظام الرأسمالي هي الحرية الفردية التي تتيح لكل إنسان أن يسعى إلى تحقيق مصلحته الشخصية أولاً، وفي سعيه لتحقيق مصلحته الشخصية تتحقق المصلحة العامة المشتركة بينه وبين المجتمع، ولأن الصالح المشترك الأكبر يتكون من مجموع أجزائه، فإن إعاقة المصالح الشخصية فيه تقليل من مجموع المصالح المشتركة الكبرى. يقول العالم الاقتصادي آدم سميث: "إننا لا نتوقع أن يتكرم علينا الجزار أو الخباز بطعام العشاء، لكننا نتوقعه من اعتبارهما لمصلحتهما الشخصية، ونحن لا نخاطب إنسانيتهما لكن نخاطب حبهما لنفسيهما، ولانتحدث عن ضروراتنا، لكن عن مكاسبهما". فالنظام الرأسمالي علّق النشاط الاقتصادي على المصلحة الشخصية وعلى المنفعة المتبادلة بين الفرد والمجتمع، وآلية جهاز الثمن كالعرض والطلب هي التي تجعل هذا الهدف سهلاً ميسوراً للجميع. والفرق بين هذه النظرة المنفعية والنظرة الإسلامية هو أن نظام الإسلام يعتبر النشاط الاقتصادي نفسه عبادة والعمل والاستثمار والتجارة تقرباً.
له سبحانه، ويضع في الحسبان مصلحة الآخرين ومصلحة المجتمع قبل المصلحة الشخصية، فعن أنس، عن النبي ﷺ قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). فالاقتصاد الرأسمالي إلهه وجهة ذاتية نفعية، واتجه الاقتصاد الإسلامي وجهة خيرية إيثارية لاحتلال التصور المذهبي للحياة وما بعد الحياة. أما المذهب الشيوعي فيختلف اختلافاً جذرياً عن المذهب الإسلامي في أنه ينكر أساسيات الحياة الإنسانية كنكرانه للملكية الفردية ونكرانه للحرية الاقتصادية واعتماده على التخطيط المركزي أساساً للنشاط الاقتصادي. كل هذه العوامل تجعل الاقتصاد المركزي الشيوعي اقتصاداً مركزياً جامداً وقد يتفق مع النظام الإسلامي في دعم الملكية العامة لكن ليس باعتبارها ملكية مركزية لأحفظ المجتمع فيها إلا بإذن الدولة بل العكس في الإسلام هو الصحيح، إذ أن الملكية الحقيقية هي الملكية العامة هو الأمة، والدولة خادمة للأمة ووكيلة عنها في المال العام، وليس لها حق التصرف إلا من خلال التفويض الإلهي المنصوص عليه في التشريعات الاقتصادية الإسلامية.
وطبيعة النظام في الدولة الإسلامية طبيعة شوروية وليست دكتاتورية تسلطية، لذلك فإن المذهب الشيوعي بالإضافة إلى أنه ينافي الإيمان بالله واليوم الآخر الذي هو أساس المذهب الإسلامي، فإنه ينافي أيضاً أسس العدالة الإسلامية التي تقوم على البر والإحسان والتكافل الاجتماعي ولا تقوم على التناحر والتنافس والصراع الطبقي، والتي من شأنها أيضاً ألا تجعل العلاقات الإنتاجية محوراً للعلاقات الإنسانية الاجتماعية وإنما تجعل علاقات خاصة للعلاقات الإيمانية الإنسانية بين المسلم وأخيه المسلم، كما جاء في هدي الرسول ﷺ: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً). وقوله ﷺ: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواهما مسلم. وبهذا يكون الإنتاج وعلاقاته تابعه لمشاعر الإنسان وأحاسيسه، مسخرة له ولوعيه وعقله، يغير فيها كما يشاء، ولا يكون وعي الإنسان وعقله وإحساسه ومشاعره وعلاقاته الاجتماعية معلقة بحبل علاقات الإنتاج، تسويه إذا ساءت وتتحسن إذا تحسنت، لأن هذه الآلية ليست من شيم الإنسان العاقل الحر بل هي من طباع العجماوات ومن صفة الجمادات التي لا تحس ولا تشعر.
الملكية
تقسم الملكية في نظام الإسلام الاقتصادي إلى أربعة أقسام: أ - الملكية الفردية (الخاصة) ب - الملكية العامة ج - الملكية المزدوجة أو الاقتصاد المختلط د - ملكية الدولة.
الملكية الفردية (الخاصة). أباح الإسلام للمسلم حق التملك بحكم الاستخلاف في الأرض فهو مستخلف في الأرض لاستثمارها واستغلال خيراتها لمصلحة نوعه، الجماعة قال تعالى: ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾. وقال تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾. وهذا تقرير حق الفرد في تملك ما كسبه بعرقه وجهده. قال ﷺ: (من قتل دون ماله فهو شهيد) أخرجه الشيخان. والملكية الفردية تكافئ ما يبذله الإنسان في تعمير الأرض واستغلالها. وبقدر بذله وجهده يكون حظه من هذه الملكية وهو وكيل في هذه الملكية يتصرف فيها بأمر موكله وهو الله سبحانه وتعالى. وحق هذه الوكالة هو القيام بواجبات الإنفاق الخاص على نفسه وأهله وخاصته ثم القيام بواجبات الإنفاق العام كالزكاة والصدقة والنذور والكفارات وما إلى ذلك. وكذلك ينفق على أمور البر المختلفة قال تعالى في حق الأنصار: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا يُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾.
فصفة الإيثار هي التي تميز المسلم وتجعله ينفق على أوجه الخير ليطهر نفسه بهذا الإحسان وينفي عنها البخل والشح لقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾. وتجيز الملكية الفردية المساهمة الفعالة في أنواع الاستثمار المختلفة وجميع ألوان التجارة. وكذلك يحق للملكية الفردية المساهمة في العمل الحر المنتج الصناعي والزراعي، والاستثناء الوحيد من الملكية الفردية في الإسلام هو أن جزءاً من الملكية العامة لا يحق للفرد أن يتملكه ولا حتى ملك وظيفة، ويحدث ذلك في المرافق العامة الضرورية لحياة المجتمع التي ورد ذكرها في حديث الرسول ﷺ: (المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار). وما صارت هذه شركة للناس إلا لأنها من المرافق الحيوية التي لا تصلح للملكية الفردية، والحكمة من ذلك أن لا يترك مورد عام وضروري لحياة كل الناس، تحت تصرف فردي يخضع لرغبات أحد من الناس إن شاء أمسك وإن شاء أرسل. وللملكية الفردية ضوابط أخرى تقع جلها في دائرة ما أمر الله وما نهى عنه أي أن لا يخرج المسلم عن هذه الدائرة. وضابط آخر بعد ذلك هو الالتزام بقاعدة لا ضرر ولا ضرار أي أن لا تسبب الملكية الفردية ضرراً للملكيات الأخرى، وإذا أصابها ضرر من الملكيات الأخرى ألا ترد الضرر بضرره مثله بل ترده إلى ولي الأمر.
وتخضع الملكية الفردية لضوابط الإنفاق الإسلامية لكي لا يكون هناك ضرر أو ضرار.
الملكية العامة.
المالك فيها هو الأمة بصفتها الاستخلافية ﴿وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ واللأمة تملك الرقبة والعين، قال تعالى ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ فجعل التصرف في المال يعود للجماعة (الأمة) وليس للسفهاء، والذي يتولى أمر هذه الملكية هو الحاكم بصفته الاعتبارية أي باعتباره حاكما وليس بصفته الشخصية كفرد من أفراد المجتمع. وتتمثل الملكية العامة في:
المعادن والوقود.
وهذه أيضاً تخضع للملكية العامة إذا عجزت الدولة عن استخراج المعادن أو الوقود فإنها حينئذ تكلف القطاع الخاص (الملكية الخاصة) باستخراج المعادن أو الوقود بالتي يتفقان عليها.
الغابات جزء أساسي من الملكية العامة.
ويجوز للدولة أن تستقطع منها للملكية الخاصة بنفس شروط انتقال الملكية في الأراضي الزراعية على أن تكون ملك وظيفة فقط؛ فالملكية العامة على هذا تشمل القطاعات الأساسية في الاقتصاد القومي، والقاعدة العامة كل ما لا يستغني عنه المسلمون فهو عام، هذا بالإضافة إلى القطاع الحديث الذي يسمى القطاع الخدمي الذي يعني بالخدمات العامة التي تقدمها الدولة للمواطنين، وهذا القطاع يقع تحت الإشراف المباشر للدولة، والملكية العامة، وهي ملك الأمة، أن تساعد في ترقية وتحسين أدائه.
أما وظائف الملكية العامة فهي:
1- إيجاد مصدر عام لتمويل النفقات العامة، والدليل على ذلك أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، جعل الأراضي المفتوحة (أراضي السواد) ملكية عامة وفرض على استغلالها إخراج الذي تمول به الخزانة العامة وتغطي به النفقات العامة.
2- التوازن الاجتماعي؛ وهو إجراء توزيعي يهدف إلى إشباع حاجات الفئات الفقيرة، وهذا له مصدر معروف وهو أثر الزكاة التي تقوم الدولة بتوزيعها لإغناء الفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وطبيعة الملكية العامة أنها ملك عام لكل فرد فيه حق كما قال عمر بن الخطاب: «ما من أحد إلا وله في هذا المال حق، أعطيه أو أمنعه» لكن المالك الحقيقي فيه هو الأمة مجتمعة، أي أنها تملك الرقبة والعين ويملك الفرد فيها الوظيفة والمنفعة دون الرقبة والعين. أما الدولة فهي التي تقوم بتنمية هذه الملكية وتثميرها بالوكالة عن الأمة.
الملكية المزدوجة، أو الاقتصاد المختلط.
هي في الأصل مزيج من الملكية الخاصة والعامة تعملان جنباً إلى جنب في.
استثمار الأموال العامة بحيث تقسم الأرباح بينهما بنسبة مساهمة كل منهما في الاستثمار، وتسمى هذه بالشركات، وقد أجازها الإسلام وجعل لها شروطاً تحقق بها المصلحة الخاصة والعامة وينتفع بها المجتمع وتحفظ حقوق الشركاء في ذات الوقت.=
ويمكن أن تأخذ الملكية المختلطة شكلاً آخر هو اشتراك القطاع العام أو الدولة مع القطاع الخاص (الملكية الفردية) في نشاط اقتصادي بالمساهمة مع احتفاظ كل منهما بنسبة أرباحه حسب الاتفاق، ويعرف هذا في كثير من دول العالم اليوم بالاقتصاد المختلط. وهو الذي يميز الاقتصاد الحر عن الاقتصاد المركزي الذي يعتمد على التخطيط الحكومي أولاً وأخيراً.
ملكية الدولة.
المالك الفعلي فيها هو الدولة بشخصيتها الاعتبارية، وسلطة الدولة في هذه الملكية هي أن ترعى هذه الملكية وتنميها وتطورها لمصلحة الأمة باعتبار أن الدولة موظفة لدى الأمة وخادمة لها ووكيلة عنها في إدارة الاقتصاد القومي ورعاية الملكيات الخاصة وتشجيعها على الاستثمار والإيجار والمشاركة الفعلية في النشاط الاقتصادي، وتسمى هذه الوظيفة ملكية الدولة. والدولة تقوم بدور الإشراف الكلي على الاقتصاد نيابة عن الأمة. والفرق بين ملكية الدولة والملكية العامة هو أن المالك في ملكية الدولة هو الحاكم بصفته الاعتبارية، والملكية العامة المالك فيها هو الأمة، والأمة تملك الرقبة والعين لكن الحاكم هو الذي ينوب عنها في تصريف هذه الملكية بمقتضيات المصلحة العامة.
وهناك وظائف حددها الشارع الحكيم للحاكم كمجمع الزكاة وتوزيعها حسب المصارف التي حددها الشارع، وهذه من أهم وظائف الدولة لأن المقصود من الزكاة هو خلق توازن اجتماعي يضمن للمحتاجين حق العيش الكريم في ظل الدولة الإسلامية بأخذ شيء من فضول أموال الأغنياء ورده على الفقراء. فالمال في الإسلام مال الله والإنسان مستخلف على هذا المال بالوكالة؛ ولذلك، فإن الغني عندما يخرج شيئاً من ماله للفقير فهو يعطيه من مال الله وليس من ماله الخاص لقوله تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾. وإنما أتت إليه الخصوصية بحق العمل والجهد الذي يبذله في مؤقت ومحدود بحدود العمل والجهد الذي يبذله في المال. والروح التي يبنيها الإسلام في أصول الأموال هي الروح الإنسانية المؤمنة التي تجاوزت حدود النفس الضيقة إلى حدود الإيثار والتعاون على البر والتقوى، والتأني في الإسلام الذي يرفع فوق الشاحي في الأرحام والأنساب وفوق الأنانية الضيقة التي لا ترعى إلا المصالح.
الشخصية، تجاوزت حدود كل ذلك إلى رحاب الإنسانية العريضة التي تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. والحكمة في ذلك هي تحقيق الضمان الاجتماعي لأفراد المجتمع العاجزين عن الكسب والعوزين الذين لا يكسبون ما يضمن حياة كريمة لهم ولمن يعولون ومسؤولية الدولة المباشرة هي أن تكفل لهؤلاء حياة حرة كريمة.
والملكية العامة هي التي تحفظ حق الجماعة كلها في الثروة لقوله تعالى: ﴿كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾. وهذا تأكيد على وجوب رعاية القطاع العام لمصلحة المساكين والمحتاجين وحمايتهم ليظهر كل أفراد الجماعة بحقهم في الانتفاع بمال الله الذي جعله للأغنياء ولغيرهم أيضاً وليس لهم وحدهم. ولا يكتفي الإسلام بضمان الدولة للمسلمين بل يتجاوز ذلك إلى غير المسلمين، فالذمي الذي يعيش في كنف الدولة الإسلامية إذا كبر وعجز عن الكسب، كفلته الدولة الإسلامية وأصبحت نفقته من بيت المال. وللدولة مهمات أخرى في نظام الاقتصاد الإسلامي فهي التي تشرف إشرافاً مباشراً على قطاع الخدمات، وإشرافها يتضمن للفقراء والمساكين العلاج والتعليم وما يتصل بذلك. والدولة هي التي تقوم بالإشراف على نظام الحسبة وهي مراقبة الأسواق لكي لا يلجأ التجار إلى الغش والاحتكار والتغرير والتطفيف في المكاييل والموازين، ويقوم بهذه الوظيفة المحتسب الذي تعينه الدولة.
ويجوز ما تقدم أن نظام الاقتصاد الإسلامي يقبل آلية جهاز الأثمان وقوانين العرض والطلب ما دامت الأسواق تلتزم الأحكام الشرعية في التبادل. لكن الشريعة مع ذلك أقامت مؤسسات أخرى لتعاون الأطراف لهم نشاط السوق حداً مناسباً من المادية، لأن الحياة ليست مادة فقط ولا روحاً فقط بل هي مزيج من المادة والروح، فالآلية تصلح لحياة مادية ليس فيها شيء غير المادة، أما الحياة الإنسانية فهي حياة تتصل فيها المادة بالروح ولا تنفصل عنها. فالناس يشبعون حاجاتهم المادية لكنهم لا يتجاهلون نداءات الأرواح الأخرى التي لا تجد ما يشبع حاجاتها المادية، ولا تجد ما تنفق ولا ما تستهلك، فالنظام الإسلامي يسعى لسد الاحتياجات الدنيا للطعام والكساء والتعليم والإسكان والنقل والتسهيلات الطبية ليؤمن كفايتهم ويحقق كرامتهم باعتبارهم خلفاء الله في الأرض ولا يترك الغالبية العظمى من المجتمع تنفق ساعات طويلة في العمل لاستيفاء ضروراتها، فلا يبقى لديها فسحة من الوقت ولا قليل من الفائض من الموارد يمكنها من الاستحصال، أي الاتفاق الفكري والإسلامي، بينما يشري البعض دون جهد يذكر.
إن التفاوت الاجتماعي الاقتصادي يوجد هوة بين الأغنياء والفقراء تتسع باستمرار، وتؤدي إلى إضعاف أواصر الأخوة بين الناس، وتؤدي إلى التدابر والتباغض والتشاحن دوماً سبب إلا سبب واحد هو أن فلاناً غني موسر يملك المال وفلان يعمل بعرق جبينه ولا يملك إلا جهده وعرقه. وهذه هي الهوة التي يريد الإسلام أن يسدها إلى الأبد ويجعل المال والعمل وسيلة تلاحم وتواصل لا وسيلة تدابر وتنافر. فالسلطة الإسلامية العليا إذن لها حق التدخل والطاعة، لحماية المجتمع ولتحقيق التوازن الإسلامي، على أن يكون هذا التدخل من دائرة الشرعية الإسلامية، فلا يجوز للدولة أو ولي الأمر أن يحلل الربا، أو يجيز الغش، أو يعطل قانون الإرث، أو يلغي ملكية ثابتة في المجتمع على أساس الإسلامي، وإنما يسمح لولي الأمر في الإسلام، أن يتدخل فيها، فيمنع منها أو يأمر بها وفقاً لمصلحة المجتمع، فإحياء الأرض، واستخراج المعادن وشق الأنهار، وغير ذلك من ألوان النشاط الاقتصادي والتجار، كل هذه أعمال مباحة سمحت بها الشريعة بصفة عامة ووضعت لكل عمل نتائجه الشرعية التي تترتب عليه، فلولي الأمر الحق في أن يمنع القيام بشيء من تلك التصرفات أو يأمر به في حدود صلاحياته الإسلامية.