ما الأقلية وكيف تتشكل؟

 



الأقلية مجموعة من الناس تختلف في بعض سماتها عن المجموعة الرئيسية التي تشكل غالبية المجتمع، وتعد اللغة والظهر والدين ونمط المعيشة والممارسات الثقافية لهذه المجموعة، من أهم مظاهر الاختلاف. تهيمن الأقلية في ظل هذه الأوضاع على السلطة السياسية والاقتصادية، مما يمكنها من ممارسة التمييز، والاضطهاد ضد الأقليات. ويترتب على هذه الأوضاع معاناة الأقلية اقتصاديا وسياسيا. يطلق علماء الاجتماع على الأقليات المجموعات العرقية. وتتسم المجموعات العرقية بخصائص معينة تميزها عن الآخرين، مثل لون البشرة ونوع الشعر والخصائص الجسمية وشكل المجموعة والأنف.

تحدد الأغلبية المسيطرة على المجتمع السمات الثقافية الجسمية، وتضع المعايير التي تميز من خلالها هذه المجموعات عن الآخرين، قد يكون المعيار على سبيل المثال لون البشرة أو شكل الشعر. يعني مصطلح الأقلية - في سياق آخر يكثر تداوله - ما يعادل أقل من النصف في حالة تطبيقه على السكان، ولكنه لا يشير بالضرورة إلى النسبة العددية. فقد يزيد عدد الأقليات في بعض الأحيان على عدد الجماعات المسيطرة. ويمكن الاستشهاد في هذا الصدد، بحقيقة تشكيل الأمريكيين المنحدرين من أصول إفريقية للأغلبية في بعض مدن ومقاطعات الولايات المتحدة. وبالرغم من هذه الحقيقة، لا يتمتع هؤلاء السود بأي نفوذ سياسي أو اقتصادي، ومن ثم يمكن القول إن هذه الشريحة تشكل مجموعة هامشية، أو هم مواطنون من الدرجة الثانية.

كيف تتحول المجموعات إلى أقليات

تتشكل المجموعات العرقية في أعقاب مغادرتها لأوطانها والاستقرار في مجتمعات أخرى. وقد تتم عملية الانتقال من خلال أسلوب طوعي أو قسري. وتأخذ هذه العملية شكلا قسريا عندما تقدم الأغلبية على الاستيلاء على إقليم الأقلية، ومن ثم فرض سيطرتها الاقتصادية والعسكرية على هذه المجموعات. ويطلق على عملية الاستيلاء على إقليم الأقلية الضم، أو الدمج في إقليم المجموعة المسيطرة. وقد كان استجلاب الأفارقة السود بوصفهم عبيدا إلى شمال أمريكا، بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، شكلا صارخا لعملية الدمج القسري. وفي الجانب الآخر، تشكل

الهجرة الطوعية نمطًا للاندماج الطوعي. وقد عكست سياسة الولايات المتحدة، منذ القرن السابع عشر الميلادي، هذا النمط من الهجرة الذي مكن ملايين المهاجرين غير البريطانيين من الأوروبيين من الدخول إلى أراضيها، ومن ثم أصبح هؤلاء المهاجرون أقليات داخل الولايات المتحدة. وتأخذ عملية الضم، أو الدمج، شكلاً آخر عندما تقدم مجموعة على احتلال إقليم مجاور. وقد أدى الاحتلال للأقاليم دورًا مهما في تاريخ بعض الدول الأوروبية وتمخض عنه أن أصبح الأتراك المسلمون، والأستونيون، ومجموعات أخرى كبيرة، أقليات في أعقاب سقوط أقاليمهم تحت سيطرة روسيا القيصرية.

تشكلت بعض الأقليات في أعقاب عمليات الاستيلاء الاستعمارية التي مارستها بعض الأمم. أصبحت هذه الأقاليم مستعمرات، تستمد منها دول المستوطنين ثرواتها. وقد تمخض عن هذه العملية الاستعمارية أن أصبح السكان الأصليون أقليات، وحرموا من القوة الاقتصادية والعسكرية في مواجهة المستوطنين. ويمكن القول في هذا السياق إن عددا من الدول الأوروبية أمثال بلجيكا وبريطانيا وفرنسا وأسبانيا، قد أسس في خضم هذا المد الاستعماري، إمبراطوريات شاسعة بين القرنين الخامس عشر والعشرين. وتتخذ أساليب السيطرة والتعامل مع الأقليات أنماطًا مختلفة. وتعبر هذه الأساليب عن نفسها في عمليات الإبعاد والنفي من الإقليم. فقد قام الأمريكيون البيض بطرد مجموعة الهنود الشيروكي، وأجبروهم على الانتقال إلى جنوب شرقي الولايات المتحدة، للإقامة في مستوطنات فيما يعرف اليوم بأوكلاهوما. وهناك نمط آخر في التعامل مع الأقليات أكثر عنفاً و شراسة، حيث يمكن أن تحاول الجماعات المسيطرة الإبادة التامة للأقليات. ويمكن الاستشهاد في هذا الصدد بما قام به المستوطنون الأمريكيون من قتل وتدمير للسكان الأصليين من الهنود أثناء غزوهم لأمريكا الشمالية. وهناك نموذج آخر في التعامل مع الأقليات يطلق عليه الإبادة الجماعية وتتم إبادة الجنس الجماعية في هذا النمط عادة على يد الحكومات. فقد مارست إسرائيل عام 1982م هذا النمط حين مهدت وخططت ونفذت مذابح صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين المقيمين في لبنان.

تعليقات