**نمو حركة الإصلاح اللوثري**
مارتن لوثر (١٤٨٣-١٥٤٦م). بدأت حركة الإصلاح داخل الكنيسة الكاثوليكية نفسها. وفي ٣١ أكتوبر ١٥١٧م، قام أستاذ اللاهوت الراهب مارتن لوثر بالإعلان عن مبادئه التي هاجم بها صكوك الغفران، وفضح فيها مفاسد الكنيسة. وأعلن أن الإنسان يمكن أن ينال الخلاص من خلال الإيمان بالمسيح. وهو اعتقاد يناقض تعاليم الكنيسة بشأن الفضل الإلهي، والعمل الصالح طريقًا للنجاة والخلاص.
ونتيجة لذلك أعلن البابا ليو العاشر، طرد لوثر وعدة مرات. وتبعه لذلك أمر الإمبراطور شارل الخامس وأعضاء مجلسه لوثر بالرجوع عن آرائه، فأجاب لوثر في خطاب شهير قائلاً: «مالم اقتنع بالنصوص المقدسة أو العقل الصريح، فأنا ملزم بالنصوص المقدسة التي أوردتها وبما يمليه عليّ ضميري الذي هو أسير لكلمة الله لأني لا أثق في البابا أو المجالس وحدها، فهؤلاء غالبًا ما يخطئون ويناقضون أنفسهم. أنا لا أستطيع ولن أستطيع أن أرجع عن أي شيء، لأنه ليس صحيحًا ولا صدقًا أن يخالف الإنسان ضميره، أنا لا أستطيع أن أفعل غير ذلك».
فما كان من الإمبراطور إلا أن وقع وثيقة تعلن خروج لوثر عن القانون، وتبيح لأي شخص قتله من غير أن ينال عقوبة. ولكن أميرًا سكسونيا، هو فريدريك الحكيم، بسط له حمايته، فاستمر لوثر في قيادة حركته حتى وفاته عام ١٥٤٦م.
ولكن الحركة اللوثرية انتشرت، ونالت اعترافًا من الإمبراطورية المقدسة عام ١٥٥٥م. لقد دخلت الحركة السويد عام ١٥٢٠م، وأصبحت الدين الرسمي للدولة في الدنمارك عام ١٥٣٦م.
**زفينجلي والقانونيون وتجديد العماد.** قاد هولدريخ زفينجلي (١٤٨٤ - ١٥٣١م) حركة الإصلاح الديني في سويسرا. وكانت أفكاره مصدر إلهام للكنائس السويسرية البروتستانتية. وفي عام ١٥٢٩م تقابل زفينجلي ولوثر في ماربورغ في ألمانيا لمناقشة اختلافهما حول تفسير وجود المسيح في العشاء الرباني!! وقد عدّ لوثر هذا القربان المقدس وسيلة يظهر من خلاله كرم الرب على الناس. وهو يعتقد حضور المسيح حقيقة في الخبز والنبيذ. بينما وجد زفينجلي هذا القربان صلاة شكر لله على نعمه سبقت، لاسيما من خلال الإنجيل. وهو بعد الخبز والنبيذ مجرد رمز لجسد المسيح ودمه. وقد قاد هذا الخلاف بينهما إلى أول انشقاق كبير في صفوف البروتستانت.
**جون كالفن** (١٥٠٩ - ١٥٦٤م). ساعد على تأسيس البروتستانتية في جنيف وسويسرا، ووجه جهوده لتحويل الفرنسيين ومواطني الدول الأخرى في أوروبا الغربية إلى البروتستانتية. وقد وضعت تعاليم كالفن الأسس للكنيسة المشيخية التي يقوم مجلس من الشيوخ بإدارة كنائسها. وقدم كالفن بطريقة منظمة تعاليم البروتستانتية في كتابه **مبادئ الدين النصراني** الذي نشر لأول مرة عام ١٥٣٦م. وقد سمي أتباع كالفن في فرنسا الهيجونوت. وقد حاول ملوك فرنسا الكاثوليك بدعم من أسبانيا قمع الهيجونوت في سلسلة من الحروب الدينية بين عامي ١٥٦٢ - ١٥٩٨م، وقد قتل الآلاف منهم، ولكن البروتستانتية استمرت أقلية دينية حتى في فرنسا.
**حركة الإصلاح في إنجلترا.** أسست حركة الإصلاح في إنجلترا عن طريق الدولة. وقد كان السبب المباشر في انشقاق إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية رفض البابا كلمنت
السابع، زواج الملك هنري الثامن من زوجته الأولى كاثرين الأرجوانية التي لم تلد له ابناً. وقد أراد الملك الزواج من آن بولين على أمل أن تنجب له وريثاً للعرش.
في عام ١٥٣٤م أجاز البرلمان الإنجليزي قانون سيادة أصبح بموجبه الملك رئيس الكنيسة في إنجلترا. وقد ظل الملك هنري السادس كاثوليكياً في الأساس. ولكن البروتستانتية تقدمت كثيراً في عهد ابنه إدوارد السادس.
واستمرت الملكة الميراثية الأولى (١٥٥٣ - ١٥٥٨م) ملكة شديدة العداء للبروتستانتية عرفت فيما بعد بالأنجليكانية. وقد سعى أتباع جون كالفن بالتطهيريين، عادى التطهيريون الإنجليزية لأنها أصبحت بديرها الأساقفة، بينما يفضل التطهيريون الشكل المشيخي لإدارة الكنيسة (من جانب كبار الشيوخ النصارى).
وفي أسكتلندا قدم جون نوكس تعاليم كالفن ونظام الكنيسة المشيخية. وفي عام ١٥٦٠م اتخذ الأسكوتلنديون البروتستانتية ديناً للدولة. وقد أجبرت إنجلترا أيرلندا على تبني البروتستانتية ديناً للدولة. ولكن الأيرلنديين ظلوا مخلصين للكاثوليكية. استعمر البروتستانت أيرلندا الشمالية المعروفة بألستر، ولا يزال الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت دائرًا فيها حتى اليوم.
**نتائج حركة الإصلاح الديني اللوثري**
**الآثار الدينية.** انقسمت أوروبا نتيجة لحركة الإصلاح بين الأقطار الكاثوليكية في الجنوب، والأقطار البروتستانتية في الشمال. نشأت طوائف بروتستانتية كثيرة في مناطق عديدة من أوروبا. وقد أوجدت تلك الحياة الدينية المتنوعة روحاً من التسامح الديني واحتراماً للآخرين، وضمنير الفرد، كما أثارت حركة الإصلاح المضادة. انظر: الإصلاح المضاد.
**الآثار السياسية والاجتماعية.** أسهم تأسيس كنائس الدولة، كما حصل في إنجلترا، في نمو القوميات. وبينما كانت مناطق البروتستانت تميل إلى المحافظة ودعم الحكومات المركزية، فإن مناطق الكاثوليكيين التي كان البروتستانت أقلية فيها، تميل إلى دعم الديمقراطية وتجادل من أجل حق المواطنين في معارضة ديكتاتورية الملك.
وقد عدّ لوثر وغيره من البروتستانت، الحياة في العالم مجالاً للعمل العقيدة، كما عدّوا الحياة الأسرية والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية عملاً مثالياً. أكد البروتستانت على تقديس دور الإنسان في الحياة اليومية. وشجعوا الجد والكفاح والحياة المزدهرة. وقد عرفت هذه النظرة بأخلاق البروتستانت.
أكد البروتستانت على التعليم، وطوروا المعرفة ومناهج التعليم المؤسسة على الآداب الإغريقية والرومانية القديمة،
والاحترام الكبير للمعلمين والتعليم، ولكن التقدم في العلوم تطور بسرعة أكبر في بلاد البروتستانت نحو عام ١٦٤٠م.