ما رأي النظام المعتزلي في كثير من المفسرين القدماء

 


«الحيوان» (1/ 228):

[رأي النظام في بعض المفسرين]

كان أبو إسحاق يقول: ‌لا ‌تسترسلوا ‌إلى ‌كثير ‌من ‌المفسرين، وإن نصبوا أنفسهم للعامة، وأجابوا في كل مسألة؛ فإن كثيرا منهم يقول بغير رواية على غير أساس، وكلما كان المفسر أغرب عندهم كان أحب إليهم، وليكن عندكم عكرمة، والكلبي، والسدي، والضحاك، ومقاتل بن سليمان، وأبو بكر الأصم، في سبيل واحدة. فكيف أثق بتفسيرهم وأسكن إلى صوابهم، وقد قالوا في قوله عز وجل:

وأن المساجد لله

«2» : إن الله عز وجل لم يعن بهذا الكلام مساجدنا التي نصلي فيها، بل إنما عنى الجباه وكل ما سجد الناس عليه: من يد ورجل، وجبهة وأنف وثفنة.

وقالوا في قوله تعالى: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت

«3» : إنه ليس يعني الجمال والنوق، وإنما يعني السحاب «4» .

وإذا سئلوا عن قوله: وطلح منضود

«5» قالوا: الطلح هو الموز.

وجعلوا الدليل على أن شهر رمضان قد كان فرضا على جميع الأمم وأن الناس غيروه، قوله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم

«6» .

وقالوا في قوله تعالى: رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا

«7» قالوا:

يعني أنه حشره بلا حجة.

وقالوا في قوله تعالى: ويل للمطففين

«8» : الويل واد في جهنم. ثم قعدوا

يصفون ذلك الوادي. ومعنى الويل في كلام العرب معروف، وكيف كان في الجاهلية قبل الإسلام، وهو من أشهر كلامهم! وسئلوا عن قوله تعالى: قل أعوذ برب الفلق

«1» قالوا: الفلق: واد في جهنم، ثم قعدوا يصفونه. وقال آخرون: الفلق: المقطرة بلغة اليمن.

وقال آخرون في قوله تعالى: عينا فيها تسمى سلسبيلا

«2» قالوا: أخطأ من وصل بعض هذه الكلمة ببعض. قالوا: وإنما هي: سل سبيلا إليها يا محمد. فإن كان كما قالوا فأين معنى تسمى، وعلى أي شيء وقع قوله تسمى فتسمى ماذا، وما ذلك الشيء؟

وقالوا في قوله تعالى: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا

«3» قالوا الجلود كناية عن الفروج. كأنه كان لا يرى أن كلام الجلد من أعجب العجب! وقالوا في قوله تعالى: كانا يأكلان الطعام

«4» : إن هذا إنما كان كناية عن الغائط. كأنه لا يرى أن في الجوع وما ينال أهله من الذلة والعجز والفاقة، وأنه ليس في الحاجة إلى الغذاء- ما يكتفى به في الدلالة على أنهما مخلوقان، حتى يدعي على الكلام ويدعي له شيئا قد أغناه الله تعالى عنه.

وقالوا في قوله تعالى: وثيابك فطهر

«5» : إنه إنما عنى قلبه.

ومن أعجب التأويل قول اللحياني: (الجبار) من الرجال يكون على وجوه:

يكون جبارا في الضخم والقوة، فتأول قوله تعالى: إن فيها قوما جبارين

«6» قال:

ويكون جبارا على معنى قتالا، وتأول في ذلك: وإذا بطشتم بطشتم جبارين

«7» ، وقوله لموسى صلى الله عليه وسلم: إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض

«8» أي قتالا بغير حق.

والجبار: المتكبر عن عبادة الله تعالى، وتأول قوله عز وجل:

ولم يكن جبارا عصيا

«1» ، وتأول في ذلك قول عيسى: ولم يجعلني جبارا شقيا

«2» أي لم يجعلني متكبرا عن عبادته، قال: الجبار: المسلط القاهر، وقال: وهو قوله: وما أنت عليهم بجبار

«3» أي مسلط فتقهرهم على الإسلام. والجبار: الله.

وتأول أيضا (الخوف) على وجوه، ولو وجده في ألف مكان لقال: والخوف على ألف وجه، وكذلك الجبار. وهذا كله يرجع إلى معنى واحد؛ إلا أنه لا يجوز أن يوصف به إلا الله عز وجل.

تعليقات