**نبذة تاريخية**
**النظريات والاكتشافات المبكرة**. درس العلماء الإشعاع منذ القدم. ففي القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد كتب الفيلسوف الإغريقي أبيقور عن جسيمات "تنبعث" من سطوح الأجسام. واعتقد إقليدس، وهو رياضي إغريقي عاش في نفس تلك الفترة، أن العين ترسل إشعاعاً يمكنها من رؤية الأجسام.
واعتقد روبرت جروسستست، وهو عالم وأسقف إنجليزي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، أن الضوء هو أصل كل أنواع المعرفة، وأن فهم القوانين التي تحكم الضوء سوف يكشف الغطاء عن كل قوانين الطبيعة.
ودار حوار حول تركيب الضوء في القرن السابع عشر بين أتباع العالم الإنجليزي السير إسحاق نيوتن والفيزيائي الهولندي كريستيان هايجنز، حيث أصر نيوتن على أن الضوء يتكون من جسيمات دقيقة، بينما أشار هايجنز إلى أنه يتكون من موجات. وقد اختلف العلماء حول هاتين النظريتين لفترة امتدت إلى أكثر من مائة عام. وفي أوائل
الضوء التابع عشر أوضح الفيزيائي البريطاني توماس يونغ أن الضوء ذو خصائص شبيهة بخصائص الموجات والضوء معاً. وبعد ذلك بسنوات قليلة أعطى الفيزيائي الفرنسي أوغستين-جان فرينل أدلة جديدة على ذلك. وبحلول خمسينيات القرن التاسع عشر كان معظم العلماء قد قبلوا نتائج كل من هايجنز وفرينل حول الطبيعة الموجية للضوء.
وفي عام ١٨٦٤ اقترح الفيزيائي البريطاني جيمس كليرك ماكسويل أن الضوء يتكون من موجات كهرومغناطيسية، كما تنبأ باحتمال اكتشاف أشكال أخرى غير مرئية من الإشعاع الكهرومغناطيسي. وقد تأكدت هذه التنبؤات بعد أقل من العشرين من العلماء الألمان هنريش هرتز ويلهلم رونتجن؛ حيث اكتشف هرتز الموجات الراديوية في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، بينما اكتشف رونتجن الأشعة السينية في عام ١٨٩٥.
**اكتشاف النشاط الإشعاعي**. في عام ١٨٩٦، اكتشف الفيزيائي الفرنسي أنطوان هنري بيكويريل أن يورانيوم يصدر في حالة عدم تعرضها للضوء، وافترض أن اليورانيوم يطلق طاقة في شكل إشعاع. وأوضحت تجارب لاحقة أجراها الفيزيائي البريطاني إرنست رذرفورد أن هذا الإشعاع يتكون من جسيمات سماها جسيمات ألفا وبيتا.
وفي عام ١٨٩٨، اكتشف الفيزيائيان الفرنسيان ماري وبيير كوري مادتين أخريين ينتجان الإشعاع، أطلقا عليهما اسمي البولونيوم والراديوم. وبعد ذلك بسنوات قليلة أوضح رذرفورد أن المواد المشعة يمكن أن تتغير إلى عناصر جديدة بعملية التحول النووي.
وقد أثار عمل كل من رذرفورد وبيير وماري كوري اهتماماً واسعاً بتركيب الذرة، حيث استطاع رذرفورد وزملاؤه وغيرهم من العلماء إثبات أن الذرة تتكون من نواة ذات كثافة عالية وشحنة كهربائية موجبة، تحيط بها إلكترونات سالبة الشحنة.
**نظرية الكم**. في عام ١٩٠٠، درس الفيزيائي الألماني ماكس بلانك الإشعاع المنبعث من الأجسام الساخنة، وأوضح أن الأجسام تبعث وتمتص هذا الإشعاع في شكل حزم من الطاقة سماها الكمّات، والتي تغيرت فيما بعد إلى الفوتونات. وفي عام ١٩٠٥ استخدم الفيزيائي الألماني ألبرت أينشتاين نظرية بلانك لتوضيح ظاهرة تسمى التأثير الكهروضوئي. وكان العلماء السابقون قد اكتشفوا هذا التأثير، الذي ينتج عنه انطلاق الإلكترونات من الفلز عند سقوط حزمة ضوئية مضيئة عليه. وقد افترض أينشتاين أن
الطاقة التي يعطيها فوتون واحد يمكن أن تحرر إلكتروناً من ذرة فلز. ولإنتاج التأثير الكهروضوئي تعمل الفوتونات بطريقة موجهة أقرب إلى خصائص الجسيمات منها إلى خصائص الموجات. وهكذا عرف العلماء أن الإشعاع الجسيمي للضوء، حيث يعرف العلماء اليوم أن الإشعاع يجمع بين خصائص الجسيمات وخصائص الضوء. ويمكن ملاحظة كلا نوعي الخصائص عند إجراء تجارب مختلفة، ولكن ذلك غير ممكن في التجربة الواحدة. فإذا أعد العلماء اختباراً لتحري التأثير الكهروضوئي تسلك الفوتونات سلوك الجسيمات المفردة، ولكن عند إمرار حزمة من الجسيمات عبر فتحة صغيرة تسلك الفوتونات سلوك الموجات الكهرومغناطيسية المتصلة.
وفي عام ١٩١٣ استخدم الفيزيائي الدنماركي نيلز بور نظرية الكم لتوضيح تركيب ذرة الهيدروجين؛ وأوضح أن الإلكترونات ذات طاقات معينة، وأن الذرات تطلق فوتونات من الإشعاع عندما تسقط الإلكترونات من مدار طاقة عالية إلى مدار أقل طاقة. وفي عام ١٩٢٤ تنبأ الفيزيائي الفرنسي لويس دي بروجلي أن للإلكترونات نفسها تعمل في شكل موجات تسعى موجات المادة.
**العصر النووي**. بدأ العصر النووي في عام ١٩٤٢ عندما أنتج الفيزيائي الإيطالي المولد إنريكو فيرمي والعاملون معه في الولايات المتحدة أول تفاعل تسلسلي نووي صناعي. ومنذ ذلك التاريخ، وجه الكثيرون من العلماء انتباههم نحو إيجاد استخدامات للمنشطات الإشعاعي والإشعاع، وأنتجوا الأسلحة النووية المبنية على الانشطار - مثل القنبلة الذرية - والاندماج - مثل القنبلة الهيدروجينية. وقد بدأت أول محطة قدرة نووية مكتملة العمل في عام ١٩٥٦. ومنذ ذلك التاريخ دخل استخدام كل أشكال الطيف الكهرومغناطيسي في الاتصالات والطب والصناعة والبحوث.
وفي ستينيات وسبعينيات القرن العشرين نما مجال فيزياء الصحة بسرعة. وفيزياء الصحة هو المجال العلمي الذي يعني بحماية الناس من مخاطر الإشعاع، ويدرس أيضاً تسخير استخدامات الإشعاع لصالح الإنسان.
فمنذ سبعينيات القرن العشرين أشارت عدة دراسات إلى أن التعرض المتكرر لجرعات صغيرة من الإشعاع المؤين يمكن أن يسبب نتائج صحية خطيرة. ونتيجة لذلك يطالب الكثيرون بأن يحاط إنتاج واستخدام الإشعاع ذي الطاقة العالية بضوابط صارمة. ويجري العلماء مزيداً من الدراسات لتحديد تأثيرات المستويات المنخفضة من الإشعاع على الناس والبيئة.