الأحفورة أثر أو بقايا نبات أو حيوان كان يعيش منذ آلاف أو ملايين السنين. بعض هذه الأحافير أوراق نبات أو أصداف أو هياكل، كانت قد حفظت بعد موت النبات أو الحيوان. وبعضها الآخر آثار ومسارات أقدام نتجت عن الحيوانات المنتقلة.
توجد معظم الأحافير في صخور رسوبية. تشكلت هذه الأحافير من بقايا نباتات أو حيوانات طمرت في الرسوبيات مثل الطين أو الرمل المتجمع في قاع الأنهار والبحيرات والمستنقعات والبحار. وبعد مرور آلاف السنين، فإن ثقل الطبقات العليا الضاغطة على الطبقات السفلى يحولها إلى صخور. انظر: الصخر الرسوبي. وهناك عدد قليل من الأحافير التي تمثل نباتات أو حيوانات كاملة لأنها حفظت في جليد أو قطران أو إفرازات الأشجار المتجمدة. يعتقد بعض العلماء أن أقدم الأحافير هي لبكتيريا مجهرية عاشت قبل نحو ٣,٥ بليون سنة. وجدت مثل هذه الأحافير
في جنوب إفريقيا في نوع من الصخور يسمى الشِّرْت وهو نوع من المرو. كما عُثر على أحافير مماثلة لبكتيريا قديمة في أستراليا. وأقدم الأحافير الحيوانية هي بقايا اللافقاريات، وهي حيوانات ليس لها عمود فقري. ويُقدَّر عمر صخور هذه الأحافير بحوالي ٧٠٠ مليون سنة. وأقدم أحافير الفقاريات (وهي الحيوانات ذات العمود الفقري) هي أحافير للأسماك يُقدَّر عمر صخورها بحوالي ٥٠٠ مليون سنة. والأحافير واسعة الانتشار والعثور عليها أسهل مما يعتقد الكثيرون. وتتوفر في معظم بقاع العالم. وهذا يعود لكون الصخور الرسوبية واسعة الانتشار تغطي حوالي ٧٥ % من سطح اليابسة. ومع هذا يعتقد العلماء أن جزءاً يسيراً من الحيوانات والنباتات التي عاشت على الأرض قد تم حفظها في شكل أحافير. كما يُظن أن أنواعاً عديدة قد عاشت واختفت دون أن تترك أي أثر في السجل الأحفوري على الإطلاق. ولكن المزيد من الأنواع الأحفورية يتم اكتشافها دائماً.
ومع أن السجل الأحفوري غير مكتمل، فإن العديد من المجموعات النباتية والحيوانية الهامة قد ترك بقايا أحفورية. وقد مكنت هذه الأحافير العلماء من تصور نماذج الحياة التي وجدت في عصور زمنية مختلفة في الماضي، وكذلك معرفة كيف عاشت أنواع ما قبل التاريخ. كما تشير هذه الأحافير لكيفية تغير الحياة مع الزمن على الأرض. توضح هذه المقالة المعلومات التي تقدمها الأحافير عن الحياة القديمة. وللحصول على معلومات عن حيوانات العصور الغابرة، انظر: حيوان ما قبل التاريخ، ولمعرفة التاريخ الأقدم للإنسان، انظر: شعوب ما قبل التاريخ.
الأحافير تكشف التاريخ القديم
كان العالم مختلفاً عما هو عليه الآن عندما كانت تشكلت معظم الأحافير في الماضي البعيد. وكانت النباتات والحيوانات التي انقرضت منذ زمن طويل تستوطن المياه واليابسة. ومن الممكن أن نجد بحراً قديماً في منطقة جبال عالية، وفي مكان غابة استوائية كانت مزدهرة قبل ملايين السنين نجد الآن سهولاً باردة جافة. وحتى القارات ابتعدت عن مواقع كانت تحتلها قبل مئات الملايين من السنين. ولكن هناك أسلوب لتسجيل هذه التغيرات - وهم علماء الإحاثة - وهم العلماء الذين يدرسون حياة ما قبل التاريخ - قد تمكنوا من تجميع المعلومات حول ماضي الأرض من خلال ملاحظات سجلها السجل الأحفوري.
معرفة النباتات والحيوانات القديمة. يستطيع علماء الإحاثة من خلال دراستها معرفة الكثير عن مظاهر وسبل الحياة للعديد من الكائنات ما قبل التاريخ. وإحدى الطرق التي يستعملها علماء الإحاثة تتم من خلال مقارنة هذه
الأحافير بأجناسها المعاصرة. وفي العديد من الحالات تظهر عمليات المقارنة أن الأنواع الأحفورية لها أقارب معاصرة وقريبة منها، كما أن حالات التشابه والاختلاف بين أنواع الأحافير وأقاربها المعاصرة يمكن أن تعطي معلومات هامة. فقد دلت أحافير الإنسان المنتصب على سبيل المثال، وهو الذي عاش في الفترة من ١,٥ مليون إلى ٣٠٠٠٠٠ سنة، أنه أقدم أسلاف الإنسان. وتشير أحافير عظام الحوض والساق والقدم عنده إلى أنها تشبه عظام الإنسان. ويعرف علماء الأحافير أن الهيكل العظمي المعتدل يساعد على السير بانتصاب القامة. ومن هذا تمكنوا من تحديد أن الإنسان المنتصب قد سار منتصب القامة.
تعد الأحافير النباتية والحيوانية التي لا مثيل ولا قريب معاصر لها، أكثر صعوبة في فهمها. وتعتمد إحدى طرق معرفة حياتها السابقة على مقارنة أحافيرها بأنواع معاصرة لا تنتمي إليها وإنما تشبهها في شكلها العام. فعلى سبيل المثال، تبين الأحافير أنه ما بين فترة ٢١٠ مليون سنة إلى ٦٣ مليون سنة خلت، عاشت مجموعة من الزواحف ذات إصبع واحد طويل نحيف يبرز من عند كل طرف أمامي. ولا تشبه البنية العظمية أياً من تلك الزواحف المعاصرة الآن. ومع ذلك، يبدو أنها تشبه أجنحة الطيور المعاصرة. وحيث إن الطيور المعاصرة تستعمل الأجنحة للطيران، فإن علماء الأحافير استنتجوا أن تلك المخلوقات المنقرضة كانت تطير. وأطلقوا عليها اسم السحالي المجنحة.
إن معرفة ظروف موت وانطمار الأحافير يمكن أن تبين كيف عاشت. فقد وجد علماء الأحافير أعشاشاً أحفورية لديناصورات في حداثتها. تشير هذه الأحافير إلى أن بعض
أنواع الديناصورات كان يعتني بصغاره ويقوم بتغذيتها في أعشاش مهيأة، تقريباً كما تفعل طيور اليوم.
وتقدم آثار الأقدام والممرات والمسالك، المسماة الآثار الأحفورية، معلومات عن سلوك حيوانات ما قبل التاريخ. فعلى سبيل المثال، توحي بعض آثار الأقدام بأن بعض أنواع الديناصورات سارت في قطعان. كما أن بعض الآثار الأحفورية تبين أن بعض الديدان المنقرضة قد عاشت في أنفاق بسيطة محفورة في قاع البحر.
تتبع مظاهر الحياة. يقدم السجل الأحفوري دليلاً مهماً لتاريخ الحياة. وتشير الأحافير إلى أنه، على مدى مئات الملايين من السنين، قد حفلت الحياة على الأرض بخلايا بكتيريا بسيطة وحيدة الخلية وطحالب إلى جانب عديد من الكائنات المعقدة والمتنوعة. كما تشير أيضاً هذه الأحافير إلى أن بعض الأنواع قد تغيرت جذرياً وحلت محلها أنماط حياة جديدة متأقلمة كلياً.
ويبيّن موقع الأحافير في طبقات صخرية رسوبية كيف ازداد تباين الكائنات الحية عبر الزمن. فكلما ترسب الرمل، حطت طبقات جديدة فوق الطبقات الأقدم منها. وعند تحول الترسبات إلى حجر، فإن هذه الطبقات تبقى محفوظة حسب زمن ترسبها. وفي الطبقات التي لم يفسد ترتيبها نجد أن الأحافير في المناطق السفلية - أي الأقدم عمراً - أقل تعقيداً من التي توجد في الطبقات الأصغر عمراً والموجودة قرب السطح.
وتعطي الأحافير المحفوظة في طبقات الأخدود العظيم في أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية مثالاً جيداً على ازدياد التعقيد في الكائنات المعاصرة. فالطبقات القريبة من القاعدة عمرها حوالي بليون سنة، وتحتوي على أحافير بسيطة الشكل. أما الطبقات التي عمرها حوالي ٦٠٠ إلى ٥٠٠ مليون سنة مضت فتحتوي أحافير لحيوانات لافقارية، شاملة الحيوانات البحرية المنقرضة المسماة ثلاثية
الفصوص. وتظهر بقايا الأسماك الأحفورية في طبقات عمرها نحو ٤٠٠ مليون سنة. أما بعض الطبقات العليا التي تشكلت في الفترة بين ٣٣٠ - ٢٦٠ مليون سنة مضت فإنها تحتوي على آثار بعض حيوانات اليابسة المبكرة مثل البرمائيات والزواحف الصغيرة.
ويقول بعض المؤيدين لنظرية التطور (النشوء والارتقاء) إن في بعض الأحافير مجموعات معينة من النباتات أو الحيوانات تحمل بعض خصائص كائنات أخرى أسموها
الأحافير الانتقالية. وهذه الأحافير الانتقالية تضم خصائص المجموعتين. ويستدلّون من هيكل أحافير السمكيات الزعانفية - وهي كائنات عاشت قبل حوالي ٣٦٠ مليون سنة - على أن البرمائيات قد تشابهت شيئاً ما مع الأسماك. ويصف العلماء السمكيات الزعانفية، على أنها شبيهة بأوائل البرمائيات، ذلك لأن لها أرجلًا ورئتين مما أهلها للعيش على اليابسة. وكانت عظام ساق السمكيات الزعانفية مشابهة لعظام زعانف الأسماك. كما كان لها أسنان تشبه أسنان الأسماك، وذيل زعنفي للسباحة. وتبين الدلائل الأحفورية أن أمثال هذه البرمائيات المتأخرة قد فقدت صفاتها السمكية، وأصبحت أكثر تكيفاً للعيش على اليابسة.
تبين الأحافير أيضاً كيف أن بعض المجموعات النباتية والحيوانية أصبحت أكثر تنوعاً. فالأوراق الأحفورية وحبوب اللقاح للنباتات الزهرية الأولى ترجع إلى العصر الطباشيري المبكر أي قبل ١٣٨ مليون سنة مضت. وتسجل هذه الأحافير عدداً قليلاً من الأنواع. أما أحافير منتصف العصر الطباشيري أي قبل حوالي ٩٠ مليون سنة، فتشمل تشكيلة واسعة من النباتات الزهرية من العديد من البيئات المختلفة.
تسجيل التغيرات في الأرض. يستخدم العلماء الأحافير في تحديد كيفية تغير مناخ الأرض وكذلك تضاريسها عبر ملايين السنين. فقد وجدوا على سبيل المثال، أحافير بعض أشجار النخيل الاستوائية في مناطق ذات مناخ معتدل (بارد) اليوم. كما وجدوا طبقات من الفحم الحجري - وقود أحفوري - المتكون من بقايا النباتات التي انقرضت قبل ملايين السنين، في القارة القطبية الجنوبية حيث تشكل اليوم مناطق أكثر برودة لتنمو بها هذه النباتات. وتشير مثل هذه الأدلة إلى أن مناخ هذه المناطق قد تغير. وقد وجد علماء الأحافير أيضاً أصداف بحرية في صخور بعيدة في وسط اليابسة في أيامنا هذه. وتبين
مثل هذه الأحافير أن مياه البحر كانت في يوم ما منتشرة عبر هذه المناطق.
وتعطي الأحافير أدلة تدعم نظرية الزحف القاري، وهي الفكرة التي تنص على أن مواقع القارات قد تغيرت على مدى مئات الملايين من السنين الماضية. وقد وجد العلماء أحافير لديناصورات متشابهة في كل القارات الحديثة. ونتيجة لهذا يعتقد علماء الأرض أن كل الكتلة الأرضية تقريباً كانت موحدة في قارة واحدة عملاقة. ويشير هذا إلى أنه بعد حوالي ٢٠٠ مليون سنة من ذلك التاريخ كانت القارة العملاقة بدورها تتجزأ أو تنفصل. وكانت القارات تبتعد ببطء إلى وضعها الحالي.
وتساعد هذه النظرية، على سبيل المثال، في تفسير وجود الكنغريات في أستراليا؛ وهذه الحيوانات لا تشبه أياً من الحيوانات في بقية العالم. انظر: الزحف القاري.