وضعية انفصالية معلقة
منذ اليوم الاول لاعلان انفصال شمال الصومال عن الشطر الجنوبي من البلاد (الصومال)، وتأسيس ما بات يعرف بـ «جمهورية أرض الصومال في ١٨ ايار ۱۹۹۱، حتى اليوم (آخر ایار ۱۹۹۳)، لم تعترف دولة بها بعد رغم اصرار الحكم فيها على الأمم المتحدة التعامل معها على اساس ان الانفصال نهائي وأن الحكم فيها بات يمثل دولة مستقلة. إزاء هذا الوضع، دأبت القيادة السياسية في «جمهورية ارض الصومال» على توجيه نداء تلو الآخر الى الهيئات الدولية والمنظمات الانسانية لمساعدتها في اطعام شعب يبلغ تعداده نحو مليوني نسمة، ويشهد تدهوراً إقتصادياً لا بسبب الحروب الأهلية - القبلية (كما في الجزء الجنوبي من الصومال، وانما لافتقار الشمال لمقومات الحياة الاقتصادية الضرورية. وبالفعل، فان ما يزيد على عشر منظمات إنسانية غير حكومية، استجابت لنداء الاستغاثة وا قامت مراكز عدة في المدن الرئيسية والقرى النائية. ولكن، بالنظر الى ان الهيئات الانسانية غير الرسمية لا يمكنها تحمل عبء تغذية ومعالجة شعب كامل الى أجل غير محدد اضافة الى عدم قدرتها ولا صلاحيتها على تلبية مطالب «الدولة»، فإنها أخذت تخفف وجودها وتقلص دعمها، ما ترك حكومة أرض الصومال في موقف حرج للغاية، واجبرها على حصر عملها الدبلوماسي ببذل
مساعي اطلاع المجتمع الدولي على حقيقة الوضع الاقتصادي في شمال الصومال. وزارت وفود غربية رسمية تمثل جهات رسمية المناطق المحتاجة للمواد الغذائية (كان آخرها بعثة فرنسية حكومية، مع ابداء الحكومة الفرنسية حرصها على عدم تفسير موقفها وكأنه شكل من أشكال الاعتراف السياسي بـ «جمهورية أرض الصومال» وحصره بأنه «مهمة انسانية خالصة ولا يحمل أية دلالة دبلوماسية». وكانت حكومة رئيس «ارض الصومال»، عبد الرحمن أحمد علي الملقب بـ «تور»، طرقت ابواب اثيوبيا وجيبوتي واريتربا والسودان، وعدد من العواصم الغربية، والامم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الافريقية والمؤتمر الاسلامي للحصول على الاعتراف. الا ان احداً لم يقدم على ذلك حتى الآن. والجدير ذكره ان بعض الدول الغربية التي دعمت في الماضي «الحركة الوطنية الصومالية ومناظمتها الأساسية ومناصرها في الشمال الصومالي حيث اليوم «جمهورية ارض الصومال»، إبان حربها ضد نظام الرئيس الصومالي السابق الجنرال محمد سياد بري، كانت تشجع على الانفصال وتعرب عن استعدادها للاعتراف بـ «جمهورية أرض الصومال». لكن اليوم، أخذت هذه الدول تشترط على حكومة أرض الصومال ان تحظى اولا باعتراف حكومة الجزء الجنوبي من البلاد. وبما ان الجنوب لا يزال يفتقر لحكومة مركزية ولا يزال محكوماً با فوضى بصورة عامة (رغم عملية اعادة الأمل» الدولية التي جاءت بقوات عسكرية دولية خصوصاً اميركية، الى أرضه، فإن قرار اعتراف الغرب بانفصال شمال الصومال اضحى مرهوناً لا بعودة السلام واستتاب الامن في مقادیشو (عاصمة الصومال)، وانما بمشروع مصالحة جميع الأطراف الصومالية، بما في ذلك الشمال. والسباق العام لهذه الوضعية الانفصالية التي مضى عليها عامان والموقف الدولي منها لجهة الاعتراف يمكن اعتباره انه يسر في اتجاه الاعتراف بـ «جمهورية أرض الصومال» بدليل ما أعلنه (في ۲۸) ايار (۱۹۹۳ مبعوث الامم المتحدة الى الصومال الجنرال جوناثان هاو، خلال زيارة الى العاصمة هرغيسا، عن عزمه على المساعدة في اعادة بناء «الجمهورية» التي اعلنت انفصالها عن الصومال. واجری محادثات مع الرئيس المنتخب الجديد للجمهورية محمد ابراهيم عقال واعلن بعد ذلك ان الامم المتحدة ترغب في تسهيل عملية الاسراع بإعادة إحياء الاقتصاد وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، واعداد دستور للبلاد ورسم حدود الجمهورية وقبل زيارة هاو كانت مصادر أخرى في الأمم المتحدة تقول ان المنظمة الدولية تريد ارسال قوات تصل الى ٣٠ ألف جندي للاشراف على الامن في ارض الصومال. لكن زعماء الجمهورية الجديدة، رغم انهم لم يحصلوا بعد على اعتراف من أي دولة يصرون على ان تعاملهم الامم المتحدة كدولة مستقلة سواء لجهة إرسال قواتها أو غيرها من الأمور.
مشكلات الانفصال و «الاستقلال» أغلب المتفائلين - «أمراء الحرب» - في الصومال عموماً كما في الاجزاء المقتسمة الاخرى، بما فيها ارض الصومال الشمالية، كانوا من ركائز نظام الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري. وجميعهم يتهمون، وهم يتأخرون هذا النظام بتبديد خيرات البلاد وتدمير اقتصاد وإشعال نار الحروب القبلية في سنواته الاخيرة. فزعيم «التحالف الوطني الصومالي» الجنرال محمد فارح عيديد تزرع في كنف الجيش الذي
كان يقوده الرئيس بري، ولم يتمرد الا عندما اوشكت سفينة النظام السابق على الغرق ورئيس جمهورية أرض الصومال»، من الانفصال حتى أواسط ۱۹۹۳، عبد الرحمن تور كان لسان حال دبلوماسية حكومته، مع ابداء الحركة الوطنية الصومالية» التي اتخذت حصناً لها في الشمال إلا بعدما قوي عودها وترسخت أقدامها. وهذه هي حال اغلب القيادات السياسية والعسكرية في الصومال وأحزابه المقسمة في الوقت الراهن. منذ قرار الانفصال في ۱۸ ايار ۱۹۹۱، لم تلق أرض الصومال طعم الاستقرار الأمني والسياسي، وذلك لأسباب جوهرية تعود الى طبيعة تركيبة المجتمع الصومالي القبلية من ناحية، والى اسلوب الاداء السياسي للقيادات مع هذه الوضعية الاجتماعية من ناحية أخرى. ويمكن، بالطبع، إضافة عامل الأثر الخارجي المتمثل بمصالح الدول الأجنبية الضاربة عميقاً في المنطقة، ومساحة الارث التاريخي والخبرة طويلة في سياسة فرق تسد». مجلس تأسيسي ومشكلة الجيش: تألف اول مجلس تأسيسي في جمهورية ارض الصومال من ١٥٠ عضواً وزعوا على الشكل التالي: ٤٥ من الاسحاقيين، ٢٥ دولباهانتهون، ٢٠ عيدايورسون ١٠ ورسنغلون و ٥ عيساويون ولم تقل القبائل الاسحاقية التي تشكل غالبية سكان شمال الصومال إلا أقل من نصف مجمل اعضاء المجلس التأسيسي، وذلك حرصاً على عدم توليد المخاوف لدى القبائل الأخرى من هيمنة الاسحاقيين. لكن هذا الحرص لم يؤخذ في الحسبان عندما شكلت اول حكومة للجمهورية من ١٧ وزيراً، حيث كان نصيب القبائل الاسحاقية فيها ١٢ حقيبة وزارية، في حين ان القبائل الأخرى لم تسند اليها إلا ٥ وزارات، وكان ذلك محط استيائها. مع ذلك، فإن العقبة الكأداء التي واجهتها هذه الحكومة (برئاسة عبد الرحمن تور) منذ اليوم الأول هي مشكلة تأسيس جيش وطني على انقاض القوات القبلية. وقد كانت (قبل تشكيل الحكومة القوات المسلحة و الحركة الوطنية الصومالية موزعة على خمس فرق: الأولى تابعة لقبيلة جريحاتو، والثانية لقبيلة حرونسي والثالثة لقبيلة ادادغالى، والرابعة والخامسة لقبيلة حبراول وكبرى القبائل الاسحاقية هذا فضلاً عن الوحدات العسكرية الاربع التابعة للقبائل الدارودية والعيساوية. وهذا يعني ان جمهورية أرض الصومال لا يوجد فيها جيش واحد، بقدر ما توجد فيها تسع قوات عسكرية قائمة على ارضية قبلية، ويقودها سياسيون ليست لهم مصلحة في صهر هذه القوات في بوتقة جيش وطني. فالسلطة السياسية والاقتصادية لأية قبلة من قبائل البلاد ليس لها معنى عملي ما لم تتركز قوة عسكرية قبلية تصون افراد القبيلة من اعتداءات القبائل الأخرى، وتكفل لأبنائها حق الفوز بحصة ما في لعبة توزيع الادوار السياسية التي تهدد في كل لحظة، باسقاط قناع تلاحم سكان شمال الصومال (جمهورية ارض الصومال الذي يحجب عن الانظار مخاطر التفكك القبلي على غرار ما حدث في جنوب البلاد. إضافة إلى ذلك فإن الرئيس عبد الرحمن علي تور وقوات قبيلته جريحاتو» لم يسيطر الا على بعض اجزاء العاصمة هرغيسا، فيما تخضع المناطق الأخرى لقوى بقية القبائل الاسحاقية والقبائل الدارودية والعيساوية. ومع حلول ۱۹۹۳، لم يعد تور الشخص الاول في البلاد التي أسندت إدارتها الى قيادة جماعية ريثما يعقد المؤتمر الوطني العام الحركة الوطنية الصومالية، الذي حدد موعد انعقاده في نيسان ۱۹۹۳ لبت مصير هذا الجزء الشمالي من الصومال، خصوصاً وأن بعض الاصوات عادت تنادي بالعدول عن قرار الانفصال، وتطالب بالبحث عن صيغة فيدرالية أو كونفدرالية لعموم اجزاء الصومال.
ارض الصومال وعملية «إعادة الأمل»: هذه العملية التي تمت أواخر (۱۹۹۲) تحت راية الامم المتحدة، لكن بمشاركة ونفوذ مهمين للولايات المتحدة الاميركية، فانتشرت على اثرها الجيوش المشاركة (خاصة المارينز الاميركيين انطلاقاً من العاصمة الصومالية مقاديشو وبحجة وقف القتال بين القبائل وتوزيع الأغذية على الصوماليين الذين كان الجوع قد بدأ يفتك بهم. إزاء هذه العملية سارعت «جمهورية أرض الصومال» الى التحذير من أي تحرك عسكري دولي نحوها لأنه سيعرقل عملية السلام التي يقودها حكماء البلاد. وبالمقابل، حذرت الامم المتحدة جمهورية أرض الصومال من عرقلة خطة المنظمة الدولية توسيع انتشار قواتها ليشمل تلك الجمهورية، أو «مواجهة العوائق». وكان مسؤولوا الامم المتحدة وقادة القوات الاميركية في الصومال يتجنبون ذكر «جمهورية ارض الصومال ويشيرون اليها بموقعها في شمال البلاد. واستمر زعماء قبائل «الجمهورية وحكماؤها حتى اليوم آخر ايار (۱۹۹۳) على موقفهم الرافض إرسال قوات الامم المتحدة (القوة المتحدة الجنسيات بقيادة أميركية إلى ارضهم، والمعبّر عنه في بيانهم الصادر في آخر شباط ۱۹۹۳، حيث جاء: «علمت جمهورية ارض الصومال بدهشة وقلق ان الامين العام للامم المتحدة سيعرض على مجلس الامن خطة لعملية في الصومال تتضمن ارسال قوات الى مناطق الشمال الشرقي لبلادنا والى تشكيل الان جمهورية ارض الصومال ... وتعتبر إرسال هذه القوات في شكل اعتداء الى بلادنا غزواً اجنبياً ستقاومه بقوة ... إن ممثلي جميع القبائل والشعوب في ارض الصومال يناشدون المجتمع الدولي والقوى الكبرى الضغط على الامين العام للامم المتحدة (بطرس (غالي لرفع يده من بلادنا ومنع حصول مأساة غير ضرورية فيها. انقلاب أبيض وعدم استقرار أطاح زعماء القبائل الرئيس عبد الرحمن تور (۱۸) شباط (۱۹۹۳) الذي كان رئيساً للحركة الوطنية الصومالية المسيطرة على شمال الصومال ثم رئيساً لجمهورية ارض الصومال (منذ ايار ۱۹۹۱)، بتهمة عدم مقدرته على احلال سلام دائم بين القبائل أو التوفيق بينها إضافة الى فشله في الحصول على اعتراف أو تأييد دولي بـ «الجمهورية». لكن الامور لم تستتب لزعماء القبائل، واستمرت معارك منطقة بين القبائل خاصة في المنطقة المطلة على خليج عدن، وفيها ميناء بربرة، أحد أهم الموانئ على البحر الأحمر. وقد لخص وزير خارجية جمهورية ارض الصومال السيد يوسف علي الشيخ مطر في بيان ارسله الى جريدة «الحياة» في ۲۱ شباط ۱۹۹۳) الوضع الداخلي لبلاده الذي على الشكل التالي: «إن الحركة الوطنية الصومالية هي التنظيم الذي حرر الجزء الشمالي من الجمهورية الصومالية وهي السلطة السياسية التي يرتكز عليها الائتلاف الذي شكل جمهورية ارض الصومال في ۱۸ ايار ۱۹۹۱. اما دور الحكماء (زعماء القبائل في تطور هذه الجمهورية فلا يعدو دوراً ثانوياً مؤيداً للسلطة الشرعية المنبثقة عن الحركة الوطنية الصومالية والائتلاف الذي انقسم اليها بعد اعلان الجمهورية (...) وقد شهدت جمهورية ارض الصومال العام الماضي مرحلة خلافات سياسية اتسمت بالحدة وتقلب والمواجهات العسكرية الدموية، ما اثار الشكوك في مقدرة القيادة السياسية على تجاوز الأزمة الخانقة واحلال الأمن والسلام والاستقرار. وهنا بدأ دور الحكماء في اقرار الأمن يتخذ اهمية متزايدة الثبت لهم ممارسة جادة رفعت مركزهم السياسي. لكن تضعيف سلطة القيادة السياسية نتيجة الخلافات لم يبلغ سلطتها الشرعية، وإن تعرضت لهجمات دعاية ضارية وتم تجاهلها عمداً خصوصاً من الامم المتحدة وبعض المنظمات الدولية وغير الحكومية. وتعهدت هذه المنظمات تشجيع الفئات المأهولة للحكومة وبعض الحكماء الموالين للمعارضة الصومالية (وتساءل) من هم الحكماء الذين نسب اليهم
بقيام بإنقلاب ابيض وعزل الرئيس عبد الرحمن احمد علي او ابعاده، وما هو الخط او الاتجاه السياسي الذي يمثلون؟ إن الحكماء رؤساء قبائل مختلفة يمارسون سلطة تقليدية لا تخول لهم التطاول على السلطة السياسية المنبثقة عن مؤسسات الدولة الحديثة ولا يؤكدهم فكر ايديولوجي معين ولا تجمع بينهم مصلحة سياسية او اجتماعية او اقتصادية ليتفقوا على عمل سياسي موحد (...) وليست لديهم الصلاحيات لعزل أو اختيار المسؤولين السياسيين، ولم يدعوا (الحكماء) انهم سيقومون بما لا يستطيعون. مؤتمر الحكماء: تزايد الحديث عن حكماء أرض الصومال زعماء قبائلها ودورهم في إدارة شؤون البلاد مع الاعلان عن انقلاب أبيض أطاح الرئيس عبد الرحمن أحمد تور، وان حكماء القبائل المجتمعين في إحدى مدن الصومال يديرون شؤون الجمهورية (۱۸) شباط ۱۹۹۳). وقد سبق لهؤلاء ان عقدوا اجتماعاً في مدينة شيخ في ايلول ۱۹۹۲، واعلنوا بعد ذلك بأيام، اتفاقاً للسلام بين القبائل من ۱۹ بنداً. ثم عادوا للاجتماع في مدينة بورمة (بعد نحو ١١٠ كلم شمال غربي العاصمة هرغيسا في ٢٤ كانون الثاني ۱۹۹۳ ، حيث ايضاً إجتماعاتهم مفتوحة حتى اعلانهم إطاحة الرئيس عبد الرحمن احمد تور المؤجلة وغالبية اعضاء حكومته خارج ارض الصومال منذ أكثر من شهرين، وأنهم في صدد مناقشة وضع دستور جديد للبلاد، وإعادة الهيكل الحكومي الجديد، وإنشاء جيش وطني وقوات شرطة، وتأسيس نظام بريدي ومصرفي والية لجمع العائدات المالية وتوزيعها، وإرساء نظام للخدمة المدنية وكل ذلك في إطار مناقشتهم مصير «جمهوريتهم» من دون التنازل عن حقهم في تقرير المصير ضمن دولة مستقلة. وحضر عبد الرحمن تور أوائل آذار ۱۹۹۳) اجتماعات «بورمة». في محاولة للحفاظ على تماسك «جمهورية أرض الصومال وما قام في افتتاح الاجتماع ان الأمر متروك لكم لكي تنهوا الفوضى». إذ كانت الحكومة في شمال الصومال تعاني افلاساً. ونادراً ما تنفذ أوامرها حتى في العاصمة هرغيسا، وتطاول عمليات السرقة التي تنفذها ميليشيات القبائل موارد رزق الناس. وقال مسؤول في وزارة الخارجية ان ادارته لا تملك سيارات أو وسيلة اتصال مع العالم الخارجي ليس للحكومة سوى وجود صوري، بل لا يمكنها القول انها موجودة. الجميع ينتظر نتائج اجتماع بورمة. وفي إطار هذه الظروف، بدأت جماعات تشكك في «الجمهورية بعد عامين من اعلان الانفصال وفي جدوى هذه الخطوة، وفي انها كانت فشلا ذريعاً. وقد لخص نائب الرئيس، حسن عيسي جامع، تقوم الوضع بقوله: «لبث في النهاية ان عوامل قوة الحركة الوطنية الصومالية هي اساس ضعف ارض الصومال وعزا أكبر فشل لحكومته الى التأثير في إنشاء نظام لتجميع العائدات ما أدى الى دائرة فراغ بين حكومة مركزية ضعيفة وميليشيات قبلية أقوى. وفي اواسط ايار ۱۹۹۳، عقد في أديس أبابا (عاصمة اثيوبيا) «مؤتمر الرفاق الوطني حضره محمد ابراهيم عقال ممثلاً مجلس حكماء ارض الصومال أو مؤتمر الحكماء أو مؤتمر بورمة). وفي كلمة عقال ان المجلس الحكماء هو السلطة الوحيدة في جمهورية ارض الصومال»، وان المجلس سيدعو الى اجراء استفتاء على استقلال هذه الجمهورية تحت اشراف دولي. وكان مؤتمر أديس أبابا يناقش موضوع وحدة الصومال، فجاءت كلمة عقال لتثير جدلاً طويلاً، خصوصاً وأنها ألقت، الى حد بعيد، مع ما طرحه رئيس «التحالف الوطني الصومالي» الجنرال محمد فارح عيديد في شكل غير مباشر) حول تقسيم الصومال عبر ادارات اقليمية يحكم كل منها أحد رؤساء القبائل الصومالية الى حين تثبيت الأمن فيها، ثم يصار الى توحيد كل البلاد.
في غضون ذلك، كان «مجلس الحكماء» يضم نحو ٢٤٠ من زعماء قبائل الشمال مستمرة في عقد اجتماعاته التي ابقاها مفتوحة منذ ٢٤ كانون الثاني ۱۹۹۳، وقرر نهائياً عزل الرئيس تور (الذي شكله «مجلس الحكماء» لتنازله عن رئاسة الجمهورية سلماً استناداً إلى قرار الحكماء؛ إذ ساعد بذلك على تجنب حرب أهلية ربما كانت ستندلع في حال قرر البقاء في منصبه). وقبل رئيساً: كان محمد ابراهيم عقال اول رئيس وزراء للصومال الموحد بعد استقلاله (۱۹٦٠) وقبل الانقلاب الذي جاء بالرئيس المخلوع محمد سياد بري الى السلطة في العام ١٩٦٩، وأصبح احد ابرز دعاة انفصال الشمال الصومالي بحجة وضع الشمال الخاص في إطار الظروف والأحداث والمستجدات التي نالت من الصومال (بل المنطقة بأكملها). فبرأيه ان «الأرض الصومال وضعاً خاصاً يختلف كلياً عن بقية البلاد. ففي الوقت الذي يعاني جنوب البلاد من انقسامات وحروب قبلية قضت على بنيته التحتية، كانت ارض الصومال تبني مؤسساتها في اجواء وفاق بين جميع قبائلها. كما لم تعان في ارض الصومال من مجاعة تتطلب إرسال كميات ضخمة من مواد الاغاثة وقوات لحمايتها. لذلك تخطى الامم المتحدة عندما تتعامل مع قضيتها في إطار جنوب الصومال الذي يفتقد قيادة سياسية موحدة في حين يقود ارض الصومال مجلس حكماء» (....) وعلى رغم اتفاق جميع ابناء الشمال على الاستقلال، فإننا سنجري استفتاء على هذا الاستقلال لاعطائه شرعية دولية و نحب اننا هيئة دولة او إقليمية للاشراف على نزاهة هذا الاستفتاء». وفي إطار مواصلة لأعماله، قرر «مجلس الحكماء» (مؤتمر بورمة)، في نيسان ۱۹۹۳، تأليف حكومة مؤقتة لادارة شؤون البلاد الى حين اجراء انتخابات عامة، والتأكيد على استقلالية ارض الصومال منفصلة عن جنوب الصومال، وإقامة برلمان، ووضع أسس نظام خاصة باعادة هيكلة الدولة وبناء قبل تحديد طبيعة العلاقة مع جنوب الصومال، أما على رأس مهمات الحكومة المؤقتة (بحسب قرارات مجلس الحكماء) جمع السلاح من الأفراد، وتأسيس قوة شرطة لحفظ الامن والاستقرار. وكان المؤتمر دعا رجال القبائل في الجمهورية الى تنظيم حمل السلاح والأمن كل في منطقته الى ان تتولى قوات الشرطة التي سيتم تشكيلها حفظ الامن والنظام في البلاد. وفي ١٠ ايار ۱۹۹۳ ، انتخب مجلس الحكماء رئيساً جديداً لجمهورية ارض الصومال» هو محمد ابراهيم عقال وعين عبد الرحمن أوغلي نائباً لرئيس الجمهورية؛ وتولى رئاسة مجلس الشورى (البرلمان) علي خليف جايد. وبني عقال الى القبيلة الرئيسية وهي الاسحاق، ونابه اوغلي الى قبيلة غادابورسي، وجايد (رئيس البرلمان) من قبيلة دوليهاتى ويحاول عقال ان يكون هذا التوزيع عادلا بين كل القبائل الشمالية. لكن الرئيس السابق تور وانصاره رأوا ان هذا التوزيع جاء مساحاً بحق قبيلة الاسحاق لأن الحركة الوطنية الصومالية التي ينتمي غالبية انصارها الى قبيلة الاسحاق هي التي قررت قوات الصومالي السابق محمد سياد بري من شمال البلاد ويحق لها تسلم المراكز الرئيسية في الجمهورية الجديدة. على الأثر، بدأت تتخط معارضة داخلية حمل لوائها محمد حسن محمود، الامين العام لـ «حزب الاتحاد الصومال (غالبيته من قبيلة دوليهاتى الشمالية، احد فروع قبيلة الدارود المنتشرة في معظم انحاء الصومال، خصوصا في جنوبه) ، وشعاره السياسي الانفصالي التحذير من اندلاع حرب أهلية جديدة في شمال الصومال اذا أصرت قبائل الاسحاق على انفصال الشمال البلاد عن جنوبها. ... لأن التركيبة الاجتماعية للشعب الصومالي صارت مزيجاً مختلطاً من جميع القبائل والانفصال يزيد من حال تفكك القبائل التي بدأت منذ العام ١٩٨٨.
أعلن مؤخراً، بدأ مجلس الممالمان (البرلمان) في جمهورية أرض الصومال دولة مستقلة في أيار 1991، إعداد قوانين للاستفتاء على استقلال الدولة التي لم تحظ حتى الآن (31 تموز 1993) بأي اعتراف دولي. وعين المجلس رئيساً جديداً له هو السيد عبدي حابسدي.
شرق شمالي، دويلة
في إطار الفسخ والتقاتل القبلي والمسلح الانفصالات التي بدأت تضرب الصومال الموحد مع انهيار نظام الرئيس محمد سياد بري، أعلنت الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال فك الروابط بين منطقة شمال شرق الصومال وبقية أجزاء البلاد التي صارت مقسمة دويلات عدة يحكمها زعماء القبائل (شباط 1993). وعينت الجبهة التي يرأسها الجنرال محمد أبشر موسى رئيساً لإدارة الحكم الذاتي في تلك المنطقة المطلة على البحر الأحمر والمحيط الهندي هو يوفر عبد الله بوفر موسى. وقد سارع هذا إلى تشكيل مجلس إدارة يتولى أعضاؤه مسؤولية حكم المنطقة، وأعلن مدينة بوصاصو (بوصاصو)، المطلة على البحر الأحمر، عاصمة لمنطقة الحكم الذاتي، ودعا الأمم المتحدة ومنظمات الأغاثة الدولية وحكومات العالم إلى التعامل معه مباشرة في كل ما يتعلق بالمنطقة، وأعلن أنه لا يعترف بأي إجراء دولي يتخذ في شأن شمال شرقي الصومال إذا لم يستشر في ذلك.
والجدير ذكره أن جبهة الإنقاذ هي أول تنظيم سياسي وعسكري تأسس في الصومال عام 1978، وأن الجنرال أبشر موسى كان قائداً للشرطة في عهد الرئيس محمد سياد بري. وكانت الحركة الوطنية الصومالية أعلنت كما مر معنا في 17 أيار 1991 منطقة شمال الصومال دولة مستقلة أطلق عليها اسم جمهورية أرض الصومال. وفي أيار 1992، كان رئيس التحالف الوطني الصومالي الجنرال محمد فارع عيديد، أعلن حكماً ذاتياً في مقاطعات عدة جنوب البلاد ووسطها.
اتجاه عام: الرأي الغالب لدى متتبعي أوضاع الصومال عموماً أن القبائل الصومالية الأخرى تتجه لاحتضان الحكم الذاتي في المناطق الخاضعة لسيطرتها، خصوصاً بعد فشل زعماء القبائل والفصائل، وبمناسبات عديدة، في توحيد كلمتهم والاتفاق على عمل انقاذي. ويُعزى هذا التوجه الانفصالي لدى القبائل أيضاً إلى فشل الأمم المتحدة والقيادة الأمريكية للقوات المتعددة الجنسيات المشاركة في عملية إعادة الأمل في فرض حل سياسي على أطراف النزاع هذا ما يُقال دبلوماسياً مشروع الإنعاش على نطاق واسع أما الناس أفراداً وشعوباً، فيتساءلون هل الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمبركائية عاجزان فعلاً عن فرض حل على زعماء هذه القبائل؟ ومما يشير إلى أن الصوماليين بدأوا يفقدون الثقة بزعماء المليشيات ويعودون تدريجياً بولائهم إلى زعماء قبائلهم والحكام الأساسيين لأبناء القبائل؟ وان هذه العودة إلى القبيلة تفرض تنظيماً جديداً للمجتمع حول زعامة واحدة لكل قبيلة في مناطق وجودها.