لماذا فشل الاتحاد المغاربي ؟

 



جمع بين الدول المغاربية الخمس حكم قرطاجني، ثم بيزنطي أو غربي روماني، وبعدهما ربط بينها الفتح العربي الإسلامي برباطين هما الانتماء العربي والدين الإسلامي. ثم ظلت تلك الدول تحت إدارة الخلافة العثمانية إلى أن انتقلت إلى الإدارة الفرنسية باستثناء ليبيا التي احتلتها الإيطاليون. وترجع الروابط الحديثة خلال القرن الحالي إلى اندلاع المطالبة بالاستقلال في الأقطار الخمسة وإن بدرجات حرارة مختلفة، وحدث أن حققت ليبيا استقلالها في كانون الأول ١٩٥١ الأمر الذي جعلها قاعدة لنشاط الزعامات المغاربية المطالبة بالاستقلال في تونس والجزائر بصفة خاصة. وما إن حل عام ١٩٦٤ حتى كانت جميع دول المغرب قد استقلت باستثناء موريتانيا التي لحقت في ما بعد بركب المغاربة المستقلين. وفي ذلك العام شاعت مشاعر الرغبة في تقارب وحدوي بشكل ملحوظ، وكان المغاربة يعتقدون أنهم قادرون على تحقيق وحدة إقليمية بأسلوب عملي ومتدرج يختلف عن دعوات الوحدة بين المشارقة العرب الذين اندفعوا وراء دعوات الوحدة "بصورة متسرعة ومثالية" (على حد ما تعتبره أكثر الدراسات التي تتناول اليوم مسألة الوحدة العربية). ولم يتم عام ١٩٦٤ إلا وقد تأسس بين الدول المغاربية المستقلة الأربع (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب) ما سمي باللجنة الاستشارية الدائمة لدول المغرب العربي. فسارت محاولات التقارب السياسي والتعاون الاقتصادي سيراً مقبولاً، وإن لم يكن بالسرعة المرجوة. وكانت أسباب الإبطاء ترجع إلى عوامل سياسية أساسية.

بالتأكيد، إليك النص المستخرج من الصورة:


التنافس على زعامة المغرب الكبير بين الجزائر والمملكة المغربية، وخلافات الحدود بين البلدين، ثم نشوب الصراع بينهما حول الصحراء التي كانت تحتلها إسبانيا، بالإضافة إلى حساسيات كانت تظهر آثارها على السطح بين الحين والآخر بين الجزائر وتونس، وحسابات أخرى بين تونس والمغرب، وذلك حتى أحداث 1979 في ليبيا (انقلاب - ثورة) التي جاءت بالرئيس معمر القذافي على رأس السلطة وأطاحت الملك محمد إدريس السنوسي. فكانت مطامع الرئيس الليبي وسياسته التي غلب عليها «التقلب» سببًا إضافيًا في إعاقة محاولات إقامة الاتحاد.

فكرة وحدة المغرب العربي لم تولد في أواخر هذا القرن كرد فعل على الحواجز التي نصبتها السوق الأوروبية المشتركة كما هو متداول في الأوساط العالمية (خاصة الصحافية). فحتى خلال مرحلة ما قبل الاستقلال، تأسست لجان وحدة المغرب العربي. وكان ذلك في 1947 في القاهرة. وفي 1957 طرحت جبهة التحرير الوطني الجزائرية مشروع فيدرالية شمال إفريقيا، تلاه مؤتمر في طنجة عام 1958 جمع ممثلين عن الدول المغاربية كافة وطالب بإرساء قواعد الوحدة على غرار السوق الأوروبية المشتركة يومذاك. وسرعان ما بدأ الاقتصاد عصب الوحدة المرجوة، فقد في تونس (1976) اجتماع الوزراء الأول لدول المغاربية الحديثة (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب). أما موريتانيا فلم تكن بعد قد نالت استقلالها). وأقر ثلاث مهام: 1 - تنمية العلاقات بين هذه الدول وإيجاد سياسة موحدة للجمارك؛ 2 - التنسيق بينها في مسائل الصناعة والطاقة والمواصلات؛ 3 - توحيد المواقف إزاء السوق الأوروبية المشتركة. كذلك أنشأ الاجتماع المذكور حوالي 20 لجنة متخصصة في شتى القطاعات لم يكتب لمعظمها أن يقود مبادرة ناجحة، إذ إن أكثر من نصف اللجان لم يشهد اجتماعا واحدا. وحتى اليوم، فإن العلاقات الاقتصادية بين دول المغرب العربي لم تتعد 2% من مجمل علاقاتها مع الدول الأخرى. وقد ظل كل بلد يفاوض المجموعة الأوروبية بمفرده، أملاً تحقيق مصالحه على حساب "أشقائه". وقد يكون لـ "غزو الجراد" شمال إفريقيا عام 1988، الفضل في تجديد البحث بالكامل الاقتصادي والبيئي بين الأقطار المغاربية. ففي شباط 1989 وافق زعماء الدول المغاربية الخمس على مشروع «اتحاد المغرب العربي». ولكن بدأ هذا الاتفاق (البعض يعتبرونه) أكثر جدية وعمقًا مما سبق، وأشد صلابة حيال الصراعات الدولية (حرب الخليج على رغم مواقف أعضاء الاتحاد المتضاربة إزاء هذه الحرب لم تفض عليه)، فإنه لم يعط إلا من (أواسط 1993) بوادر نجاح يسيرة.

تعليقات