لماذا تحول لينين إلى معبود الجماهير الاشتراكية الشيوعية؟

 


لينين، ف. إ. ( Lenin, V.I. 1870 –

١٩٢٤ ): قائد الثورة البلشفية الشيوعية السوفياتية

(ثورة اكتوبر، النظري والعملي، ومؤسس دولة الاتحاد

السوفياتي. اضاف الى النظرية الماركسية دراسات حول

الاحتكار والاستعمار، والحزب، والقومية، والتحالف

بين العمال والفلاحين، والثورة الثقافية، والديمقراطية

المباشرة.. حتى اصبحت النظرية الماركسية من بعده

تسمى «النظرية الماركسية اللينينية».

جاء في «موسوعة السياسية» الصادرة عن

المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت (ج٥،

ص ٦٠٣ – ٦٠٦):

«ولد فلاديمير ايليتش اوليانوف لينين بمدينة

سيمبرسك في روسيا لاب كان يعمل مفتشاً على

المدارس الابتدائية، وامضى طفولة عادية بالنسبة الى

طفل من الطبقة المتوسطة، وكان مسلكه، في ما يبدو،

مسلك تلميذ دؤوب مجتهد طيع (وان كان المصدر

السوفياتي عن تاريخ حياته يصوره تلميذاً شديد الصلب

والاعتداد برأيه). ومن العام ۱۸۸۷، التحق بجامعة

قازان لدراسة القانون. ولقد قيل إنه تحول الى ثوري

بعد إعدام شقيقه الأكبر البالغ من العمر ١٩ عاماً بتهمة

الاشتراك في مؤامرة لاغتيال القيصر، ولا يُشكّ في انه

اعتنق بعض افكار شقيقه قبل ذلك. وقد طرد من

جامعة قازان بسبب نشاطه الثوري بين الطلاب، ولكنه

تمكن من إكمال دراسته في جامعة اخرى انتسب اليها

العام ۱۸۹۱ هي جامعة بطرسـبورغ (لينينغراد في العهد

السوفياتي). انضم الى منتدى ماركسي ودرس كتاب

«رأس المال» لماركس. وعندما نقل الى جامعة سامارا

ووضع تحت المراقبة، نظم هناك جماعة للدراسات

الما ركسية، وفي النهاية حصل على دراسته الجامعية

بالمراسلة من جامعة سانت بطرسـبورغ التي عاد والتف

اليها ليعمل ضمن صفوف حركة بروليتارية ثورية وليؤلف

اول كتبه «من هم اصدقاء الشعب؟» في العام ١٨٩٤

والذي قيد فيه الافكار الاقتصادية والفلسفية للجماعات


الثورة التي كانت سائدة آنذاك. تمكن في 1895 من
توحيد عدة مجموعات ماركسية تحت لواء «عصبة النضال
من اجل تحرير الطبقة العاملة»، وهي التنظيم الذي يعتبر
البداية الحقيقية للحزب الشيوعي الروسي. وتكرر اعتقاله
والافراج عنه، ثم نفي الى سيبيريا (١٨٩٧) حيث استمر
في التخطيط للثورة وكتب كتابه (تطور الرأسمالية في
روسيا) (۱۸۹۹). ونظراً لوجوده تحت رقابة البوليس ، لم
يستطع ان يحضر الاجتماع التأسيسي للحزب الاشتراكي
الديمقراطي الروسي في مدينة منسك (۱۸۹۹).
بعد الافراج عنه (١٩٠٠)، ذهب الى سويسرا
حيث التقى بليخانوف وغيره من الثوريين المنفيين
وعمل معهم، ثم الى انكلترا حيث كان يقضي معظم
وقته في مكتبة المتحف البريطاني يقرأ ويكتب. وقام
بزيارات للثوريين المنفيين في ألمانيا وفرنسا. وكان احد
مؤسسي جريدة إسكرا (الشرارة) التي رأس تحريرها
واتخذها هو وغيره من المهاجرين الماركسيين منبراً
لنشر افكارهم عن الثورة، وكانت الجريدة تهرب بصفة
منتظمة الى داخل روسيا. وكان اهم أعماله في هذه
الفترة الكتيب الذي نشره في ١٩٠٢ بعنوان «ما
العمل؟» ، والذي وضح فيه الاسس النظرية والتطبيقية
لحزب ماركسي ثوري، والتي ظل متمسكاً بها الى ان
تحققت الثورة.
في ١٩٠٣، انعقد المؤتمر الثاني للحزب
الاشتراكي الديمقراطي الروسي. وحدث انقسام في
المؤتمر حول موضوع تنظيم الحزب، وفاز لينين بأغلبية
الاصوات واصبح زعيماً للأغلبية اي «البلشفيك»،
وبعد عام نشر كتابه «خطوة الى الامام وخطوتان الى
الوراء» الذي وجه فيه انتقادات قاسية الى الأقلية
«المنشفيك».
عاد لينين الى روسيا ليشرك في ثورة ١٩٠٥،
لكنه اضطر عقب فشلها للعودة الى المنفى في سويسرا
والنمسا وفرنسا. وظل يعمل في نشر مجموعة من
الكتب الماركسية الثورية، كان من بينها كتاب
«تكتيكان إشتراكيان ديمقراطيان في الثورة
الديمقراطية»، ناقش فيه دور البروليتاريا في الثورة
البورجوازية بألمانيا، واوضح كيف يمكن عن طريق
اجتذاب الفلاحين الفقراء وغيرهم من الطبقات «شبه
البروليتاريا» الاستيلاء على البورجوازية وتحويلها
الى ديكتاتورية للبروليتاريا. وفي هذه الفترة كان منكباً
على إنجاز كتابه «المادية والنقدية التجريبية».
في ١٩١٢، نجح في استبعاد المنشفيك من
الاشتراك في مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي
الروسي الذي انعقد في براغ ، وأنشأ حزباً منفصلاً
للبلشفيك. وقد ساعد في انشاء جريدة «برافدا» التي
كانت في طريقها الى الصدور في سانت بطرسـبورغ.
وكان ما زال غير قادر على دخول روسيا فاقام عند
حدودها في مدينة كاركاو الى ان اعتقله البوليس
النمساوي (١٩١٤)، وامره بمغادرة البلاد، فعاد الى
سويسرا وظل بعض الوقت مركزاً جهده على الكتابة
بمهاجمة الاممية الاشتراكية الثانية التي وصفها بـ
«الانتهازية» (...). وفي ١٩١٥، عقد اجتماعاً دعا اليه
كل من استطاع حضوره من الاشتراكيين الاوروبيين
لاستنكار الحرب التي رأى فيها صراعاً بين قوى
بورجوازية رأسمالية متخاصمة لا يمكن للطبقة العاملة
ان تجني منها أي كسب. وكانت نظريته تحتوي على
كيف يستعمل هذه القوة بالحديـد الكافي. وذهب لينين
الى ابعد من ذلك في ملحق وصيته، فنصح «بإزاحة
ستالين عن هذا المنصب، وتعيين رجل مكانه». لكن
هذه الحرب سوف تخلق الفرصة التي كان في
انتظارها.
وقد عكف في هذه الاثناء على دراسة هيغل مدوناً
ملاحظاته تمهيداً لنشر «دراسات فلسفية» (١٩١٥)،
وعلى القراءة اعداداً لاصدار كتابه «الامبريالية، اعلى
مراحل الرأسمالية» (١٩١٦)، وكتاب «حق الامم في
تقرير مصيرها» (١٩١٦). ولم يكف في اثناء ذلك عن
محاولته لتنظيم الاشتراكية الاوروبية من اجل ايقاف
الحرب، وقد عقد مؤتمراً من أجل هذه الغاية في
كنيتال لم يسفر عن أي نتائج إيجابية.
وبعد اندلاع ثورة شباط ۱۹۱۷، عاد الى بتروغراد
بمعاونة القيادة العليا الالمانية التي كانت ترجو ان تسفر
عودته الى روسيا عن عرقلة المجهود الحربي
الروسي...
وهناك (في بتروغراد)، اثناء انشغاله بالعمل على
تحويل الثورة البورجوازية الى ثورة بروليتارية ، وجد وقتاً
لوضع كتابه التالي هو «الثورة ، حين يسا_ فنيسان». وكان
الشعار الذي طرحه هو وانصاره البلشفيك على العمال
والجنود المتمردين هو «كل السلطة للسوفيات»، اي
للمجالس الثورية للعمال والجنود. وقد صدرت الحكومة
المؤقتة على هذا النشاط الى شهر تموز عندما اصدرت
الاوامر باعتقاله، ففر الى فنلندا حيث وضع كتابه ٧
«الدولة والثورة»، ثم تسلل عائداً الى بتروغراد يوم 7
تشرين الاول حيث اقنع اللجنة المركزية للحزب
بالدعوة الى انتفاضة مسلحة. وقد ادار الثورة من مركز
قيادته بمعهد سمولن، وبعد الانتصار على المعتدلين
ومغرهم من الجماعات الاشتراكية اصبح رئيساً لمجلس
مفوضي الشعب (تسمية الجديدة لمجلس الوزراء بعد
لقب «وزير الملطخ بالفساد البورجوازي») ، وقامت
سياسته المطبقة على السلام والأرض والخبز،
قامت حكومته السلام بمعاهدة بريست -
ليتوفسك التي تولى تروتسكي المفاوضة بشأنها
ببراعة. واعيد توزيع الأرض على الفلاحين. ولكن
الخبز كان قضية اخرى ، إذ ما لبثت المجاعة ان
انتشرت في روسيا. وقد أمم لينين البنوك وكل وسائل
الانتاج الصناعي، ولكن محاولته بناء اقتصاد اشتراكي
كامل وهو يخوض حرباً أهلية على أكثر من عشر
جبهات ، ويواجه استيلاء البريطانيين واليابانيين على
أراض روسية لمساعدة الثورة المضادة، ومحاولته
إنشاء جهاز دولة، مدني وعسكري معاً، من حطام
الدولة البائدة، كل ذلك أدى الى انهيار كامل للاقتصاد
الروسي في ١٩٢٠. هنا اظهر لينين مرونته عندما قدم
السياسة الاقتصادية الجديدة التي سمحت بهامش
للحراك الاقتصادي الخاص. وقد وجد اثناء كل
ذلك وقتاً ليصدر كتاب «المهمات العاجلة للسلطة
السوفياتية» (١٩١٨)، وكتاب «الثورة البروليتارية
والمرتد كاوتسكي» (١٩١٩)، و«ان يقل كل جهاز
حكومته الثورية الى الكرميين في موسكو».
لم يواجه الحرب ضد اليمين فحسب، بل واجه
ايضاً المعارضة العنيفة من جانب الجماعات الاشتراكية
الأخرى، وخاصة الحزب الاشتراكي الثوري الذي بدأ،
في ١٩١٨، بشن حملة اغتيالات للقيادة البلشفيك
الذين سقط منهم بعض الضحايا بينهم لينين نفسه.
فالرصاصة التي اطلقتها عليه دورا كابلان ، عضوة
الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، وان لم تقتله، سببت
تدهوراً مستمراً في صحته. واستمر يكتب، فوضع
«اليسارية مرض الشيوعية الطفولي»، وهو كتيب يهاجم
فيه الاتجاهات الانهزامية والمذهبية الجامدة التي رأى
فيها مرضاً بتعاطي هذه الثورة، وكتب «أمراض المادية
النضالية» (۱۹۲۲). وخلال عامه الأخير، أصابه
انزعاج شديد من نمو البيروقراطية الحزبية، وكان
ستالين من بين الذين يتهمهم في «وصية سياسية»،
لأنهم تركوا البيروقراطية تشوه الديمقراطية الاشتراكية.
وفي ٢١ كانون الثاني ١٩٢٤، توفي لينين، والسبب
الأساسي بحسب اكثر الاحتمالات ترجيحاً، الاجهاد
الشديد.
كانت للينين حياة خاصة، لكن لم تكن لها أي
أهمية تذكر. تزوج، وعرف عنه دفء العاطفة حيال

أصدقائه المقربين، واستناداً لما رواه تروتسكي فإنه كان
يتمتع بحس فكاهي لاذع. ولكن عمله من اجل الثورة
وإقامة الاشتراكية كانا كل حياته. كان الوحيد بين
الاشتراكيين الثوريين في عصره الذي يعلم علم اليقين
انه على حق، بينما كان الآخرون عرضة للتخاذل عن
غايتهم بوضعها موضع الجدل. وقد منحه هذا اليقين
قوة ارادة فائقة. وكتاباته التي كرسها للفلسفة ولشرح
اساليب واستراتيجية وتكتيكات واهداف الثورة
الاشتراكية الماركسية وحكومة ديكتاتورية البروليتاريا
تملأ اكثر من اربعين مجلداً. وعلى الرغم من الوضوح
الذي تمتاز به كتابات لينين فقد فسرتها الفئات
الشيوعية المختلفة كل منها وفقاً لمصطلحها واتجاهاتها
السياسية. فكان هناك تفسير التروتسكيين،
والستالينيين، فجماعة خروتشوف ، فالحزب الشيوعي
الصيني... ( انتهى كلام «موسوعة السياسة»).
ضريح لينين في الساحة الحمراء في موسكو لم
تنقطع عنه صفوف الزائرين من شيوعي الاتحاد
السوفياتي والعالم ، إذ اصبح لينين بالنسبة إليهم معبوداً
حقيقياً. لكن هذه الصورة بدأت تتغير مع إطلاق الزعيم
السوفياتي الأخير، غورباتشوف، لحركة البيرسترويكا ،
الى ان انقلبت هذه الصورة تماماً الى عكسها. فما إن
شارف الاتحاد السوفياتي على الزوال (1991) حتى
بدأت نصب لينين وصوره تتعرض للتحطيم على أيدي
المتظاهرين في روسيا وباقي الجمهوريات السوفياتية.


تعليقات