الفالاشا و«شعب غيغون»
الفالاشا: طائفة يهودية اثيوبية ذات معتقدات خاصة مختلفة عن سائر الطوائف اليهودية. ويطلق الأثيوبيون على أبناء هذه الطائفة إسم «الفالاشا» الذي يشتق من كلمة «بالاش» العبرية، ويعني المهاجر والبدوي في الوقت نفسه. أما هم فيطلقون على انفسهم إسم «بيتا إسرائيل» وتعني قبيلة اسرائيل. قدر عدد الفالاشا في اواسط الثمانينات بحوالي ٢٥ ألف نسمة (راجع السكان في بطاقة التعريف)، وهم يعيشون من الزراعة والرعي والعمل في بعض الحرف اليدوية. ما يزال اصل الفالاشا غامضًا. ففي حين يزعم عدد من العلماء اليهود انهم يتحدرون من نسل سليمان والملكة بلقيس حيث هاجروا إلى إثيوبيا منذ حوالي ثلاثة آلاف عام بقيادة الأمير مينليك، يؤكد علماء آخرون بأن الفالاشا هم أفراد قبيلة إفريقية اعتنقت اليهودية عن طريق اليهود الذين هاجروا إلى مصر عبر البحر الأحمر. ويقول البروفسور جوزف طلبول، الأخصائي في الحضارات الإفريقية، في حديث له إلى صحيفة «لومانيتان الفرنسية (8 كانون الثاني 1985) أن «اصل الفالاشا الأسود وفهمهم الخاص جدًا للدين اليهودي يؤكدان بأنهم أفراد قبيلة إثيوبية اعتنقت الدين اليهودي بعد ان ادخلوا عليه تعديلات تتناسب ومفاهيمهم المستمدة من وسطهم وبيئتهم». ويضيف البروفسور طولبول ان الفالاشا ينحدرون بالأساس من «الأغاو» وهو اقدم شعب سكن شمالي إثيوبيا، وكل ذلك إن تخضع هذه المناطق لحكم الساسيين الذين جاؤوا من اليمن النهار مملكة سبأ وأسسهم لمملكة «أكسوم» (أكسوم). وان هذه المملكة انهارت في القرن الرابع الميلادي إثر خلافات عنيفة بين القبائل التي انشأتها. ومنذ ذلك الحين، توزع شعب «الأغاو» بين ثلاث ديانات رئيسية: القسم الأول اعتنق المسيحية الأرثوذكسية التي هاجر إلى منطقة اخرى اسمها «البايانا» والثالث اعتنق اليهودية واقام في منطقة «غوندور». وقد بقي الفالاشا في هذه المنطقة حتى تاريخ تهجيرهم إلى اسرائيل (اوائل ١٩٨٥). وللدلالة على صدق مقولته هذه يؤكد البروفسور طولبونا انه لهذا السبب بالذات لا يعرف الفالاشا اللغة العبرية إطلاقًا، وهم يتكلمون اللغة الأمهرية بعد ان اندثرت لغتهم الاصلية المسماة باسمهم «الغويا». اما الرحالة جيمس بروس الذي اكتشف وجود الفالاشا في اثيوبيا وعرف العالم الغربي بهم من خلال كتاباته المؤلف من خمسة مجلدات واسمه «الرحلات لاكتشاف منبع النيل»، فيقول في كتابه هذا ان الفالاشا ذهبوا عندما عرفوا ان هناك يهودًا آخرين موجودين في هذا العالم. فقد كانوا يعتقدون بان اليهود جميعهم من اليهود. لا يعرف الفالاشا كتاب التلمود ولا يعترفون به. وكتابهم المقدس هو نسخة محورة من التوراة المذكورة باللغة الأمهرية. ويقول الباحثون الغربيون إن ديانة الفالاشا هي شكل قديم من اليهودية المعدلة وفق بيئتهم، وشعائرهم بدائية ولا تمت بصلة إلى الشعائر اليهودية السائدة، ومن الواضح ان ديانة الفالاشا تأثرت بالديانات الأخرى السائدة في اثيوبيا. فقد اخذوا من المسيحية الارتباط المباشر بالخالق دون الإيمان بأي حلول الأوامر والتعليمات من الرهبان والراهبات ويمارسون سر الاعتراف، واخذوا من الاسلام تعدد الزوجات، كما تبنوا بعض التقاليد المستمدة من الوسط الزنجي الوثني المحيط بهم مثل ختان النساء في الوقت الذي لا يختنوه فيه الرجال كما هو متبع لدى سائر اليهود. اول اتصال بين الفالاشا وسائر اليهود تم في القرن الخامس عشر ميلادي، حيث اشار حاخام القاهرة في ذلك الزمن في كتاباته له إلى وجود اتصالات بينه وبين يهود لهم عادات غريبة في اثيوبيا. لكن هذه الاتصالات لم تأخذ طابعًا جديدًا الا بعد قيام الحركة الصهيونية، غير ان تجاوبها معها كان ضعيفًا. وفي العام ١٩٤٤، سافر الى منطقة «الغوندور»، حيث يقيم الفالاشا، عضو في الحركة الصهيونية العالمية إسمه جاك فيشلوفتش بعد ان حصل على مساعدة مالية من البارون اليهودي ادموند دي روتشيلد، وحاخام باريس زادوك كوهين. وبعد إقامته حوالي العام بين الفالاشا، بعث فيشلوفتش برسالة الى الحاخام حاجوم قال فيها انه متأكد من انه «لا يوجد دم يهودي لدى الفالاشا. واضاف في رسالته ان الفالاشا سعداء حيث هم ولا يفكرون
الخارج على الاطلاق، واكد انه من المفيد تعليمهم اللغة العبرية وتعاليم اليهودية الحديثة. وعندما قام الكيان الصهيوني العام ١٩٤٨ انشاء، بمساعدة من الامبراطور هايلي سيلاسي حوالي الخمسين مدرسة في منطقة الفالاشا من اجل تعليمهم العبرية واليهودية الحديثة. ولكن هذا النشاط لم يلق إقبالًا من ابناء الفالاشا واخذ ينحسر إلى ان تم إقفال آخر مدرسة في اواخر الستينات. وبعد ان بادت هذه الجهود بالفشل نشأ لدى قادة الحركة الصهيونية وإسرائيل وكبار حاخامي اليهود قناعة بعدم جدوى النشاط بين الفالاشا، ووصل الامر ببعضهم - من ابرزهم اسرائيل ياشاجو، رئيس سابق للكنيست الاسرائيلي - للدعوة الى اسداء النصيحة للفالاشا بضرورة حل مشاكلهم عن طريق اعتناق المسيحية. وبقيت المزاعم الدينية اليهودية تعتبر الفالاشا غير يهود حتى ١٩٧٢، عندما اعلن كبير حاخامي طائفة اليهود السفارديم في اسرائيل أواديا يوسف ان اصل الفالاشا يعود الى قبيلة «الدان» الضائعة والتي هي إحدى القبائل الاثنى عشرة التي تشكل منها اليهود. وفي العام 1975، نجحت جهود اواديا يوسف في استصدار تصريح رسمي من مجلس حاخامي اسرائيلي اعترفوا فيه بـ «يهودية الفالاشا وحقهم في العودة الى اراضي الميعاد». ومنذ ذلك التاريخ بدأت جهود الحركة الصهيونية تأخذ طابعاً منظمًا ورسميًا من اجل تهجير الفالاشا الى اسرائيل. ولكن هذه الجهود لم تثمر إلا في تهجير بضع مئات من الشبان الفالاشا الذين أغرتهم الوعود بحياة جديدة مرفهة. وفي العام ١٩٧٧، ناقشت حكومة مناحيم بيغن تقريراً حول تهجير الفالاشا كانت قد تقدمت به الوكالة اليهودية العالمية. وفي هذا التقرير تم عرض الجهود والاتصالات التي تقوم بها منظمتان صهيونيتان هما: المنظمة البريطانية لمساعدة الفالاشا التي تأسست العام ١٩٦٨ ويرأسها اليهودي البريطاني دافيد كيسلر، والمنظمة الاميركية ليهود اثيوبيا المؤسسة في العام ١٩٦٠ ويرأسها اليهودي الاميركي غرايوم بيرفد. وقد وافقت الحكومة على خطة تهجير الفالاشا (الى اسرائيل) واطلقت عليها إسم «عملية موسى». وكان من المقرر ان تنفذ هذه العملية العام ١٩٧٨، عبر اتفاق سري مع نظام منغيستو هايلي مريام. ولكن تصريحاً لموشي دايان في 6 شباط ١٩٧٨ في زوريوخ قال فيه «إن اسرائيل تزود اثيوبيا بالاسلحة» أبطل مفعول هذا الاتفاق. وبعد ذلك تم إدخال تعديلات على «عملية موسى»، بحيث اخذت تتم عن طريق السودان ومن خلال استخدام مخيمات اللاجئين في جنوب شرق السودان. وجاءت موجة القحط والجفاف التي اصابت اثيوبيا لتشجع الفالاشا على الهجرة هربًا من المجاعة التي ضربت المنطقة. لقد تم تنفيذ «عملية موسى» بتنسيق مع الرئيس السوداني محمد جعفر نميري. وقد اكدت التحقيقات التي اجرتها الحكومة السودانية عقب إحاطة الرئيس نميري في 6 نيسان 1985 تورطه في هذه العملية. وبات من الثابت ان عدة اطراف دولية، على رأسها الادارة الاميركية، دعمت تنفيذ مهمتها كان ضعيفًا. وفي العام ١٩٨٤، سافر الى منطقة «الغوندور»، حيث يقيم الفالاشا، عضو في الحركة الصهيونية العالمية إسمه جاك فيشلوفتش بعد ان حصل على مساعدة مالية من البارون اليهودي ادموند دي روتشيلد، وحاخام باريس زادوك كوهين. وفي العام ١٩٨٤، سافر الى منطقة «الغوندور»، حيث يقيم الفالاشا، عضو في الحركة الصهيونية العالمية إسمه جاك فيشلوفتش بعد ان حصل على مساعدة مالية من البارون اليهودي ادموند دي روتشيلد، وحاخام باريس زادوك كوهين. لقد تم تنفيذ «عملية موسى» بتنسيق مع الرئيس السوداني محمد جعفر نميري. وقد اكدت التحقيقات التي اجرتها الحكومة السودانية عقب إحاطة الرئيس نميري في 6 نيسان 1985 تورطه في هذه العملية. وبات من الثابت ان عدة اطراف دولية، على رأسها الادارة الاميركية، دعمت تنفيذ مهمتها، وكان من بين سؤوا ١٥٠٠ شخص منهم ما لبثوا أن هاجروا الى اسرائيل بدورهم في ١٩٩١ و ١٩٩٢ في إطار «عملية سليمان». «شعب غيغون السامي»: نقلت «الحياة» (9 آب ١٩٩٣)، ص ٥) عن صحيفة هآرتس الاسرائيلية ما نشرته هذه الصحيفة، قبل يوم، بصدد هذا «الشعب»، ان نحو اربعة ملايين اثيوبي
يؤكدون انهم يتحدرون من اصل يهودي يطالبون بأن يتم الاعتراف بهم كيهود. ويطلق هؤلاء الأثيوبيون على أنفسهم إسم «شعب غيغون السامي»، بإسم نبع «غيغون» في القدس الذي ورد ذكره في التوراة. وقالت الصحيفة ان منظمة تمثلهم وجهت اخيرًا طلبًا بهذا المعنى الى سفارة اسرائيل في اديس ابابا. وفي الوقت ذاته قام رئيس المنظمة الاخصائي في علم الأنتروبولوجيا والاجتماع موسى تاغانيي بالطلب من سلطات بلاده منح هؤلاء الأثيوبيين الذين يقيمون في منطقة تقع شمال اثيوبيا بين اقليم قندر وأديس أبابا وضع الاتنية الخاصة. وفي رسالة أخرى وجهتها الى رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين طلبت المنظمة افتتاح مكتب تمثيل لـ «شعب غيغون» في القدس. واعتبر سفير اسرائيل في اثيوبيا حاييم ديون ان «هذه الخطوة ليست مثيرة للاستغراب لأن الكثير من المجموعات داخل الكنيسة الأثيوبية تؤكد انها منحدرة من اصول عبرانية». وقال رداً على اسئلة للاذاعة الاسرائيلية «اننا ندرس الموضوع المثير للاهتمام من الناحية التاريخية وندرس طلبهم بعناية كبيرة». من جهة اخرى اعلنت الناطقة باسم وزارة الاستيعاب ايدا بن شيترت ان ١٦ شخصاً من الفلاسيمورا، وهم اثيوبيون من اصل يهودي اعتنقوا المسيحية، سيصلون الى اسرائيل في الايام المقبلة. واوضحت ان عدد «الفلاسيمورا الذين سمح لهم بالاقامة في اسرائيل بلغ ١٢٩ شخصاً في إطار جمع شمل العائلات بموجب قرار صادر عن لجنة وزارية شكلت خصيصاً للبحث في هذه المسألة».