انفصال اريتريا
في حين اكتفى الأوغادنيون (صوماليون) بالقبول بحكم ذاتي ضمن الدولة الاثيوبية استمر الارتريون يعملون للانفصال والاستقلال التام والناجز. وهذا الأمر كان في أساس التحالف بين «الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب اثيوبيا» بزعامة ملس زيناوي (أصبح رئيس اثيوبيا) و «الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا»، لإسقاط نظام الرئيس الاثيوبي منغيستو هايلي مريام. وعندما تم اسقاط هذا النظام (٢١) ايار ١٩٩١)، وعقد مؤتمر أديس أبابا (المرجع القانوني للسلطة في مرحلة انتقالية أقصاها نحو السنتين ونصف السنة)، بدأ الحليفان خطوات تنفيذية نحو استقلال اريتريا، وقد صاحب ذلك تطورات أهمها، من الجانب الأثيوبي:
دفاع الرئيس الأثيوبي، ملس زيناوي، (كانون الأول ١٩٩٢) عن موقف حكومته المؤيد لإجراء استفتاء على استقلال اريتريا معتبرًا أنه «الطريقة السلمية الديموقراطية الوحيدة لمعالجة مشكلة اريتريا التي ضمتها اثيوبيا في العام ١٩٥١)، ومتفهمًا معارضي الاستفتاء من الاثيوبيين أنهم «يريدون جر اثيوبيا الى حرب أهلية جديدة».
إزاء هذه السياسة الحكومية الداعمة لانفصال اريتريا، صعدت المعارضة الاثيوبية من تحركها، وعقدت مؤتمرًا في باريس (۱۱ – ۱۳ آذار ۱۹۹۳)، أي قبل موعد الاستفتاء على استقلال اريتريا بنحو خمسة اسابيع) شاركت فيه سبعة فصائل هي: تحالف القوى الديموقراطية الاثيوبية، والحزب الديموقراطي لإنقاذ اثيوبيا، وحزب مؤتمر القوميات الاثيوبية، والاتحاد الديموقراطي الثوري الارتري، وجبهة تحرير اورومو وتيغراي، والتحالف الديموقراطي لشعوب اثيوبيا. واثر محادثات برئاسة وزير خارجية اثيوبيا السابق ، الكولونيل خوشو ولدو، توصلت هذه الحركات المعارضة الى «اتفاق حد ادنى» تمحور حول عدم شرعية النظام الحاكم «لانه جاء بقوة السلاح وليس عبر انتخابات ديموقراطية». وكانت المسألة الارترية من اعقد المسائل في المؤتمر، وذلك لأن هذه الفصائل كانت ترفع شعار الديموقراطية وحق القوميات والشعوب في تقرير مصيرها من جهة، ورفض بعض زعماء المعارضة اقرار ذلك الحق عمليًا للشعب الارتري من جهة أخرى.
تم الاستفتاء في موعده، واعقبه اعلان الاستقلال (اواخر نيسان ١٩٩٣)، وبدأت تكر سبحة الاعترافات الدولية باستقلال اريتريا. وفيما الارتريون يعيشون اجواء إحتفالية باستقلالهم، طغى على الاثيوبيين في أديس أبابا شعور بالحزن لفقدانهم «إقليم اريتريا» الذي كان يعرف بالاقليم الرابع عشر في اثيوبيا. وكان النظمان الاثيوبيان السابقان، الامبراطوري (هايلي سيلاسي) والماركسي (منغيستو هايلي مريام)، خلالا على مدى اكثر من ٤٠ عاما الابقاء على اريتريا ضمن اثيوبيا، وخسر الشعبان الاثيوبي والارتري خلال هذه الفترة ما يزيد على ٢٠٠ ألف قتيل في حرب كانت اطول الحروب في افريقيا، وانتهت بسقوط نظام منغيستو في ايار ١٩٩١. وكان اكثر المعارضين لاستقلال ارتريا «منظمة عموم شعب الامهرا» (التي يرأسها البروفسور اسبرت ولدي بس. وقد نشطت هذه المنظمة، قبل موعد الاستفتاء، فنعت برسائل الى الامم المتحدة وحكومات الدول الغربية والولايات المتحدة تعترض فيها على اجراء الاستفتاء، ونظمت تظاهرات عفوية في اثيوبيا نفسها.
بعد استقلال اريتريا، واعتراف حكومة اديس ابابا بها دولة مستقلة ذات سيادة (3) ايار ١٩٩٣)، بدأت الحكومة الأثيوبية تتعرض لضغوطات داخلية تطالب بترحيل نحو ٣٥٠ ألف ارتري يعيشون ويعملون في اثيوبيا كونهم قد اصبحوا مغتربين من الاجانب بعد ان كانوا، قبل أيام، مواطنين اثيوبيين. ويشكل هذا العدد الكبير من الارتريين ازمة كبيرة لحكومة أسمرا (عاصمة اريتريا) التي تواجه مشاكل أخرى تتعلق ببناء دولة كاملة، إذ دمرت الحرب التي استمرت ثلاثين عامًا كل البنى التحتية لاريتريا. ولا توجد عمليًا فيها نواة كاملة لأي من القطاعات والمؤسسات خصوصاً الاقتصاد والزراعة والتعليم والمواصلات. ويبرر الارتريون (خصيصاً المعارضة) طلبهم ترحيل الارتريين بأنهم، ومع «احترامهم قرار الشعب الارتيري بالانفصال عن اثيوبيا والاستقلال في دولة ذات سيادة، لكن ذلك لا يعني ان تواصل الحكومة الأثيوبية دفع رواتب من للخارطة الموظفين صاروا اجانب ولديهم في حين ان لديها أكثر من خمسة ملايين عاطل عن العمل».
تعاون أمني ودفاعي بين اثيوبيا وارتريا في ٣٠ تموز ١٩٩٣، وقع الرئيسان الأثيوبي ملس زيناوي، والارتيري اسياس افورقي، اول اتفاق رسمي بين بلديهما بعد استقلال اريتريا الذي اعلن في نيسان ١٩٩٣. وينص الاتفاق على التعاون في مجالات عدة ابرزها الأمن والدفاع. وفي البيان المشترك الذي صدر عن الرئيسين انهما اتفقا على تسهيل حركة نقل البضائع وحرية تنقل المواطنين بين البلدين، واستخدام مشترك لمرفأي عصب ومصوع المطلين على البحر الأحمر، والتعاون في مجالات الأمن والدفاع والسياسة الخارجية والاقتصادية، وتشكيل لجنة وزارية مشتركة لتنفيذ الاتفاق. والجدير ذكره انه على رغم انفصال اريتريا واستقلالها رسمياً عن اثيوبيا، ما زالت العلاقات بين البلدين متداخلة الى حد يصعب معه الفصل بينها، وربما جاء الاتفاق الجديد ليؤطر هذه العلاقات. والارتريون ما زالوا، بعد ثلاثة اشهر من الاستقلال، يستخدمون جوازات سفر اثيوبية ويتعاملون بالعملة الأثيوبية. وحول الاتفاق الامني الاخير، يعتقد الرئيسان ان هدفه الرئيسي هو السيطرة على اي نشاط مسلح لقبائل العفر الموجودة في ارتريا واثيوبيا.