الأركتيكا
أو الأرقش يدعم الركتيكا الى الاغريق اللذين لاحظ ان كوكبة من النجوم تتمثل حول قطب ثابت في القبة الزرقاء، فدعوا المناطق الشمالية القطبية كتكوس نسبة الى كوكبة نجوم الدب أما المنطقة القطبية الجنوبية فسميت انتاركتيكا لأنها عند الطرف الأخر من الارض المقابل لأركتيكا. تقدم المناطق القطبية في الشمال وفي الجنوب، التي استكشفها رجال شجعان، ميزات مشتركة وفروقات في الوقت نفسه. فالمحيط الاركتيكي، الذي يحتوي في وسطه القطب الشمالي محاط بكتل قارية اوروبية وآسيوية وأمريكية شمالية وجزيرة غرونلاندا الكبرى. أما أنتاركتيكا، الذي يتوسطه القطب الجنوبي، فكتلة عن كتلة برية يحيط بها المحيط الهادئ (الباسيفيكي) والمحيط الأطلسي والمحيط الهندي. والمنطقتان الأركتيكا وأنتاركتيكا تسيطر عليهما درجات حرارة منخفضة جداً، ويكسوهما الجليد على مدار السنة. وهما معزولتان عن باقي العالم. في 1909، كان الاميركيان الاميرال روبرت بيري وماتيو هنسن أول الواصلين الى القطب الشمالي. ابحر بيري في مركب حتى وصل الى جزيرة اليسيمر، ومن هناك أكمل رحلته على زلاجة. وقد قدر عمق المحيط بنحو 4000م. يجري عادة تعريف الاركتيكا بأنها المنطقة الممتدة شمالي الدائرة القطبية الاركتيكية. وهذه المنطقة ليست خالية من معالم الحياة، إذ هناك الغابات والحيوانات التي تساعد على تأمين العيش لحوالي مليون إنسان. وإضافة الى ذلك، فقد تم اكتشاف ثروات باطنية فيها. فهي غنية بالنفط، ومناجم الفحم وسواه من المعادن. وقد قصد المستكشفون الأركتيكا قبل أنتاركتيكا، ذلك لأن الأولى كان أقرب إلى المناطق الكبرى المأهولة.
المستكشفون الأول للأركتيكا
تذكر المراجمع الغربية على أن أول مستكشف، أو قاصد استكشاف الأركتيكا هو بيتياس، الرياضي ورجل العلم والملاح الاغريقي الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد. كان بيتياس يحاول بلوغ المناطق المجهولة في أيامه والتي كانت تمتد غربي وشمالي جبل طارق (هذا الاسم - جبل طارق - يعود الى مرحلة لاحقة طبعاً). ففي حوالي العام 330 ق.م. اجتاز المضيق على رأس عدد من المراكب انها أول رحلة استكشاف معروفة باتجاه القطب الشمالي. فزارت المراكب محاذاة الشاطئ الغربي لأوروبا، واجتازت المانش. ويعتقد أن بيتياس لاحظ، اثناء رحلته حركة المد والجزر. فكان من أوائل الذين اعتقدوا بعلاقة في ما بينها وبين جاذبية القمر. دار حول انكلترا، ثم دخل بحراً حيث سمع من يتكلم عن مقاطعة واقعة شمالاً ومحاطة بالجليد. فأبحر ثانية باتجاهها حيث وجد نفسه في موضع يدعى «تولي» (ويعتقد اليوم انها جزيرة آيسلندا)، وأحاط به ضباب كثيف
قال على عادة لزيادة لتذوب فيها الأرض والهواء والبحر ويصبح الكون معلقا. فاعتقد الملاح الاغريقي انه بلغ المكان المقصود وهو المكان الذي تنتهي الأرض عنده. ثم لم يعثر بعد على نصوص أو آثار تتحدث عن المحاولات استكشاف قطبي بعد بيتياس، حتى كان القرن التاسع من عصرنا الميلادي هذا. ففي هذا القرن قام بعض الرهبان الايرلنديين (يقصد الفرا، على الأرجح من الغرب بالحار في مراكب صغيرة تقطيعها جلود حيوانات، فكانوا أول الواصلين إلى جزر فيروجه، وجزيرة جان مایان، وايسلندا، وربما غرونلاندا وكانوا هم الذين بقوا الفايكنجز للمرة الأولى عندما نزل هؤلاء في ايسلندا من مراكبهم الطويلة والمعروف عن الفايكنجز انهم رجال أقوياء أشداد شجعان، لهم الدور الأساسي في استكشاف مناطق الاركتيكا في القرنين التاسع والعاشر أشهر زعمائهم إيريك الاحمر الذي في النرويج نحو العام 90. ويبدو انه هو في العشرين من عمره، قتل إثنين من الرجال وفر الى ايسلندا حيث تزوج وأقام يعمل في زراعة الأرض. لكنه ما لبث ان اعتبر خارجاً على القانون إثر عملية قتل ارتكبها. فأبحر مع عائلته باتجاه الغرب. نزل في غرونلاندا وبنى مستوطنتين صغيرتين على ساحلها الجنوبي - الغربي. عاش في المستوطنتين نحو 2500 شخصاً في أيام إيريك واستمرتا قائمتين نحو اربعة قرون، ثم اختفتا. ولم يعرف بعد سبب زوالهما بأسكانيهما. وفي العام 1600 كان قد تم اكتشاف غرونلاندا واستعمارها. وعلى الرغم من المعارف القليلة حول مناطق الأركتيكا، فإن الخرائط الجغرافية التي كانت قد أنجزت بشأنها كانت تثير دائماً حيرة رجال العلم والمستكشفين وكل الذين كانوا يعلمون بسلوك طرق أقرب الى كاتاي (وهو اسم الصين في القرون الوسطى).
بحارة غرباً
قاد مارتن فرويشر، ضابط في البحرية ومستكشف انكليزي، ثلاث رحلات استكشافية بهدف العثور على ممر شمالي - غربي يوصل الى كاتاي (الصين). في 1576، انطلق على رأس ثلاثة مراكب و35 رجلاً متجهاً صوب الشمال ومازال يحز جيتلاندا في الطريق غرق مركب، وقضي على بحارة المركب الثاني، وتابع فرويشر مع الناجين معه، فمر بالقرب من غرونلاندا، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تشاهد فيها هذه الجزيرة منذ اختفاء مستوطنات الفايكينجز. وعاد فرويشر وقام بعدة رحلات استكشافية لكن دون ان يصيب نجاحاً. فأفلست شركة كاتاي التي كانت تموله، وتراجع هو ليقضي أيامه المتبقية معلماً. لكن محاولاته بقيت جذوة في صدور العديدين بعده. وفي نيسان 1710، غادر هنري هدسون انكليترا على رأس رحلة استكشافية مولتها شركة موسكوفيا وخلافا للصيف، تمكن من الوصول الى خليج هدسون ووضع خريطة لشواطئه وجزره. لكن الجليد حاصره ونفذت منه المؤن فقضي على جميع رجاله. وبليام بافن، انكليزي أيضاً، كان مقيماً أن خليج هدسون لا يؤدي الى الممر المقصود، أي الممر الشمالي - الغربي الى كاتاي فوجه أبحاثه الى الشمال، ووصل في 1616 الى الساحل الغربي من غرونلاندا، إلى حيث توجد اليوم مدينة تولي، واكتشف مضيق، ومضائق سميت ولا نكستر وجوز، وعلى الرغم من انه توغل بعيداً في الشمال عبر المحيط الشمالي - الامريكي، لكنه اعتقد باستحالة إيجاد ممر شمالي - غربي صالح للملاحة التجارية بسبب الجليد وعمق المياه. وفي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، انصب جهد في مياه الأركتيكا، وأصبح
"الصيدون على معرفة مترادفة في المنطقة، لكنهم كانوا قبليي الكلام حرفاً على «مصالحهم وأرباحهم»، من المنافسين الذين يعاونون منهم قاصدين «أرض قروضهم» الجديدة. وفي القرن التاسع عشر ضغطت «الشركة الملكية للجغرافيا»، في إنكلترا، على الأميرالية لتقوم، أو تتبنى أبحاثاً جادة في موضوع إيجاد الممر المطلوب. فعيّن جون فرانكلين قائداً لحملة جديدة. فغادرت الحملة إنكلترا ١٨٤٥ محملة بمؤن تكفي لثلاث سنوات. ومضت سنتان دون أي نبأ عن فرانكلين ورفاقه. وبعد مضي ثلاث سنوات على رحيلهم، باشرت إنكلترا والولايات المتحدة بأوسع عمليات بحث في تاريخ الاستكشاف القطبي. فمنحتا مكافآت ضخمة لكل من يساهم بإيجاد أي حل لمشكلة اختفاء فرانكلين ورفاقه. فخلال تسع سنوات جرت أكثر من ٣٩ رحلة إنقاذ. حتى تكشف السر وأنه دلائل على أن جميع أفراد الفريق قد لاقوا حتفهم. وخلال رحلات الإنقاذ عثر كذلك على وثائق تركها فرانكلين وخرائط رسمها، تشير إلى الوسيلة الممكنة لإيجاد ممر شمالي - غربي. فما تركه فرانكلين وما أضيف إليه مما سبقه وما وضعه فريق رحلات الإنقاذ، كله ساعد على النجاح أخيراً – الذي حققه المستكشف النرويجي روالد أموندسين عام ١٩٣ بين ١٩٠٣ و ١٩٠٦ برحلته الشهيرة في المنطقة. ومنذ ذلك الحين أصبح العالم يعرف أن هناك ممراً شمالياً - غربياً يقع في الأركتيكا ويصل إلى الصين (كاتاي في القرون الوسطى).
العبور شمالاً - شرقاً : مضيق بيرنغ
الاستكشاف، وتالياً العبور، شمالاً - شرقاً ، ومن بحر الشمال إلى الباسيفيك مروراً بالبحر الجليدية في شمالي أوروبا وآسيا، جرت بصورة مختلفة تماماً عن العبور الأول الشمالي - الغربي. ففي حين جاء العبور الشمالي - الغربي انطلاقاً من الشرق فقط، فإن العبور الشمالي - الشرقي قد تم من الشرق ومن الغرب على حد سواء. والفارق الثاني أن هذا العبور الأخير قد تم أيضاً عن طريق البر من خلال سيبريا الآسيوية. لقد ساهمت شركة التجار المغامرين (مجموعة أفرادها إنكليز تتعاطى التجارة مع الخارج) كثيراً في استكشاف أركتيكا وتطورها. وكانت هذه الشركة الخاصة تتمتع في الحقيقة بحقوق تجارية حصرية في بعض بلدان العالم. في ١٥٥٣ ، نظمت هذه الشركة رحلة استكشافية من ثلاثة مراكب لاستكشاف ممر شمالي - شرقي وخرائطه. «بهدف اكتشاف مناطق، وبلدان لربما بالتاج البريطاني، وحزر وأمكنة مجهولة. السير هيوغ ويلوغي قاد الرحلة، يعاونه ريتشارد شانسلور. عاصفة قوية بددت رفاق الطريق. فتابع ويلوغي، على رأس مركبين، طريقه باتجاه شمالي روسيا، ورمى قرب شبه جزيرة كولا. بعد نحو عام، عثر صيادون روس على المركبين وعلى جثث ركابهما. أما بالنسبة إلى شانسلور، فبعد أن انتظر أسبوعاً، في منطقة محددة، فجوم رفيقه بعد أن بددتهما العاصفة، عاد وأكمل طريقه باتجاه أرخانجلسك. هناك عرف القيصر إفان الرابع (إيفان الرهيب) بوصول الملاح الغريب، فدعاه إلى بلاطه في موسكو. كان على الملاح الانكليزي أن يقطع مسافة ٢٤٠٠ كلم ليصل إلى العاصمة الروسية، حيث استقبل بحفاوة كبيرة ووقع اتفاقاً تجارياً. وقد أعقب هذا الاتفاق إنشاء «شركة موسكوفيا» وفترة عشرين سنة من العلاقات التجارية المميزة سواء بالنسبة إلى روسيا أو"
"بالنسبة إلى إنكلترا. الهولنديون كانوا أهم منافسي إنكلترا في السباق نحو السيطرة البحرية والتجارية، وكانوا يأملون عقد روابط تجارية مع الروس. وفي أواخر القرن السادس عشر، تمكن مندوبهم، أوليفر برول، من إقامة علاقات صداقة مع القوزاق الذين كان يتزعمهم إيرماك تيموفيف المطلب بالسيادة على إقليم سيبيريا باسم قيصر روسيا. وقد حقق برول بعض النجاح في سعيه لإيجاد طريق بحرية جديدة، لكن نجاحه الأساسي كان في عقد علاقات تجارية. مستكشف هولندي آخر، فيلام بارنتس، كان يعتقد أن المراكب قد تكون أقل عرضة للجليد إن هي سلكت شمالي جزيرة زميل الجديدة (نوفيا زمليا) الواقعة في روسيا الشمالية، بدل أن تسلك المضيق الفاصل هذه الجزيرة عن المحيط. وقام برحلة استكشافية على هذا الأساس ورسم خرائط زميل الجديدة (١٥٩٤ - ٩٥)، ثم اكتشف الجزيرة التي تحمل اسمه وكذلك جزيرة سبيتزبرغ (١٥٩٦). لكن، في ١٥٩٧ - ٩٧، حاصر الجليد سفينته هو ورفاقه وأغلب رجاله، في ما عدا البعض الذين فازوا في الوصول إلى كولا في لافونيا حيث كتبت لهم النجاة. فتوقفت رحلات الاستكشاف لمدة عقد من الزمن، أما التجارة مع روسيا فبقيت مستمرة. كان قيصر روسيا بطرس الأول (بطرس الأكبر) يعتقد بوجود ممر شمالي - شرقي، ويرى إلى أهمية استكشافه بالنسبة إلى تطور بلاده. وقد قدم القوزاق، الذين كانوا قد غزوا سيبيريا، معلومات مهمة جداً حول الساحل الشمالي من روسيا. فأخباري واحد منهم هو القوزاقي سيمين ديزنيف، وانطلق من كوليما في بداية القرن السابع عشر، ثم اتجه صوب الشرق عابراً جليد بحر سيبيريا، ثم مضيق بيرنغ، حتى وصل إلى المحيط الباسيفيكي. ولم ينسى القيصر بطرس الأكبر أن يسمع بهذا النبأ، في وفاته السنة فجأة (١٧٢٥)، وكان قبلها قد أمر بإجراء استكشاف لكامل الشاطئ الشمالي لروسيا بهدف العثور على هذا الممر الشمالي - الشرقي الرائع. وكان فيتوس بيرنغ، بحار دنماركي، عمل لمدة عشرين سنة في خدمة البحرية الروسية، قد عين قائداً لهذه الرحلة (التي أمر بها القيصر). أقام بيرنغ مركز قيادته استعداداً للرحلة في مدينة بيتروسبورغ، واختار لاكوتسك (في سيبيريا الشرقية) كمكان لجميع كل اعتدته الضرورية للرحلة ولبناء سفنه. وقد اقتضى نقل كل هذه الأعتدة الذي من بنائها وتجهيزها مسافة ٨,٠٠٠ كلم براً لإيصالها إلى مرفأ أخوتسك (في أقصى الطرف الشرقي من روسيا). وكان على السفن أن تقطع بحر أخوتسك حتى كامتشانكا. ويكفي هنا إلقاء نظرة على الخريطة حتى يتبين القارئ جسامة المهمة البطولة وخطورتها. وصل بيرنغ ورجاله بالبغل نهار طيلة ثلاثة أعوام وهم يعملون في مدينة بيتروسبورغ (سان - بيترسبرغ)، ولاكوتسك وأخوتسك. وفي صيف ۱٧٢٨ ، انطلقوا باتجاه الشمال، في الشمال - الشرقي من آسيا، اكتشف بيرنغ جزيرة سان لوران وجزر ديوميد. قطع المضيق الذي يحمل اليوم اسمه، لكنه لم يلاحظ شاطئ قارة أميركا الشمالية. وبعد خمس سنوات من انطلاقه من بيتروسبورغ (في ١٧٣٥)، عاد بيرنغ إلى روسيا وقدم تقريره إلى معهد الأميرالية الذي درسه لمدة سنتين، ثم أجاب صاحبه بأنه لم يفلح كفاية في مهمته التي كانت تقضي بأن يستمر بالإبحار حتى يلتقي منشأة أوروبية. ومع ذلك، لم تصدق ادعاءاته بيرنغ من اقتناع الامبراطورة أن الاستمرار في التجول الأبحاث التي كان بطرس الأكبر قد أمر بها. فأعيد الأمير فيرنغ وطلب منه أن يستفيد في إدارة مشروعات الاستكشاف. فكرس ١٥ سنة من حياته لهذا الغرض حتى وفاته في ١٧٤١ بسبب جنوح سفينته في جزيرة نائية. لقد كان من شأن اكتشاف بيرنغ، الذي أتاح للبشرية تعميق معارفها حول شمال - شرق آسيا"
"غرب أميركا، أن يدفع روسيا إلى تجهيز حملة استكشاف كبرى للشمال. إلا كان أن يقضي وضع خرائط واستعمار الشاطئ السيبريري على المحيط الأركتيكي حتى يمكن، تالياً، أن تتم مع الشمالي - الشرقي بسهولة. وقد وضعت لهذه الغاية وسائل وأدوات هائلة. أول رجل اجتاز الممر الشمالي - الشرقي هو البارون أدولف إريك نوردن سكيجولد، ولد في فنلندا في بداية القرن التاسع عشر، وبعد تخرجه من الجامعة وحضوره إحدى الولائم التي شارك فيها الحاكم الروسي في فنلندا، أبدى تصرفاً لم يعجب هذا الحاكم، ثم نفى من بلاده. في ١٨٥٧، أقام في ستوكهولم حيث لقي دعماً من تاجر غني يدعى أوسكار ديكسون فأصبح أهم مستكشف قطبي سويدي. وبعد مشاركته في عدة رحلات استكشافية في الأركتيكا، عينه ملك السويد (١٨٧٨) قائداً لرحلة غرضها عبور الممر الذي كان المستكشفون يسعون لعبوره منذ قبل ثلاثة قرون. غادرت البعثة كارلسكرون في ٢٢ حزيران ۱۸۷۸ ، ووصلت إلى ينيسي في ٦ آب. هناك انقسمت المراكب الثلاثة التي كانت تقل البحارة إلى قسمين: مركبان اتجها لأغراض تجارية فصعدا مجاري المياه إلى داخل البلاد، والمركب الثالث (لافينيا)، الذي كان يقل قائد الحملة، تابع طريقه شرقاً مستفيداً من الظروف المناخية المواتية، لكن الجليد اعترض سبيله بالقرب من مضيق بيرنغ حيث أمضى الشتاء هناك. وفي الصيف قطع المضيق ووصل إلى المحيط الهادئ، ثم إلى يوكوهاما (اليابان) في ٢ أيلول ۱۸۷۹ ، وعاد إلى السويد عن طريق قناة السويس. بعد هذه الرحلة تأكد بشكل نهائي الممر الشمالي - الشرقي. فبدأ السوفيات يسرعون من برامجهم الاستكشافية حول هذه الطريق البحرية. ففي ۱۹۳۲ ، أنشأوا وكالة حكومية تحت اسم إدارة «الوكالة الوطنية للطرق الشمالية البحرية». فوضعت هذه الوكالة قيد التنفيذ مؤسسة متكاملة التجهيز والأدوات : أسطول من كاسحات الجليد، وسفن شحن، وشبكات للاتصالات، ومحطات للرصد الجوي، وطائرات استكشاف، وأخيراً مصلحة ادارية وفنية لأغراض الدراسات الهيدروغرافية (دراسة البحار).
القطب الشمالي
شكل القطب الشمالي الهدف الأساسي الثالث والأخير للمستكشفين في رحلاتهم إلى الأركتيكا. فالرحلات باتجاه الشرق كانت قد أتاحت للمستكشفين جمع عدد كبير من المعلومات حول جغرافية أقصى الطرف الشمالي وظروفها الجوية وإمكانياتها الحياة فيها. وقد تبين أن هذه الكمية من المعلومات قد أفادت أيضاً في بلوغ القطب الشمالي. في ۱۸۹۱ ، كلفت أكاديمية العلوم الطبيعية في فيلادلفيا روبرت بيري، أحد ضباط البحرية الأمريكية، قيادة رحلة قطبية لاستكشاف غرونلندا. فكرس بيري نحو ربع قرن من حياته لهذا الغرض حيث توصل إلى وضع دراسة بالغة الأهمية عن المنطقة التي زارها، أحوالها المناخية وطريقة عيش الإسكيمو. ففي ۱۸۹۸ ، غادر بيري الولايات المتحدة الأميركية على متن مركبه «روزفلت»، متجهاً إلى رأس شيريدن حيث أقام أماكن إقامة شتوية. أما فريق آخر من رجاله فغادر في أول آذار رأس كولومبيا الواقع في أقصى الطرف الشمالي من جزيرة إليسماير (على بعد ٧٦٥ كلم من القطب). وقد استقدم بيري ورجاله الزلازل التي تجرها الكلاب للتغلغل على جليد المحيط الأركتيكي. وتمكن بيري، ومعه"
"خمسة من رفاقه (رجل أسود هو ماتو هيسن، وأربعة من الإسكيمو) من الوصول إلى القطب الشمالي في ٦ نيسان ١٩٠٩. ولدى عودة بيري إلى بلاده فوجئ بخبر أن عالماً انثروبولوجياً هو الدكتور فريدريك كوك كان قد وصل إلى القطب الشمالي قبله بسنة واحدة. وقام جدال بين الرجلين استمر طويلاً. واليوم يغلب الاعتقاد لمصلحة بيري. في ١١ تموز ١٩٨٧ ، استعمل السويدي سومون أوغست أندرو المنطاد ليطير بواطنه مع رفيقه، من سبيتزبرغ إلى القطب الشمالي. وفي الرحلات الثلاثة ٦٦ ساعة في الجو، قبل هبوط منطادهم اضطرارياً على الجليد. وبعد ٣٣ عاماً اكتشفت جثتهم ودفن رفقتهم على أرض الجزيرة البيضاء شمالي - شرقي سبيتزبرغ. بعد الحرب العالمية الأولى، قامت عدة دول بتحويل رحلات استكشافية جدية في مناطق الأركتيكا. في ٩ أيار ١٩٢٦ ، أقلع أميرال البحرية الأميركية ريتشارد بايرد ، مع معاونة فلويد بينت، من سبيتزبرغ ووصل، دون عوائق تذكر إلى القطب الشمالي. وبعد يومين، روالد أموندسن ولينكولن السويديان غادرا القاعدة نفسها في سبيتزبرغ قاصدين الأسكا عبر القطب الشمالي، وانضم إليهما الكولونيل الإيطالي أمبرتو نوبل. وإبان تحقيقهم فوق القطب الشمالي رموا من الجو أعلام الدول الثلاث : الولايات المتحدة والنرويج وإيطاليا. ووصلوا معافين إلى الأسكا بعد ٧٣ ساعة من انطلاقهم، واجتازهم مسافة ٥,٤٥٩ كلم فوق المحيط الأركتيكي. الأوسترالي جورج هوروتج والكنز طرزاً أقدم فوق القطبين الشمالي والجنوبي. وكان مقتفياً في الوقت نفسه بإمكانية استعمال غواصة تبحر تحت الجليد للوصول إلى القطب الشمالي. ففي ١٩٣١، نظموا لغاية رحلة استعمل فيها غواصة. لكنها غربت بالقرب من النرويج. وفي ١٩٤٨، الأميرال كروزن (يعمل في البحرية الأميركية) الذي كلف اقامة محطات رصد جوي في الأركتيكا، استعمل لهذه الغاية غواصة. وهذه التجارب الأولى بواسطة الغواصات أتبعتها الولايات المتحدة بتجربتين أخريين (في ١٩٤٨ وفي ١٩٥٩). أقام بيرينغ مركز قيادته استعداداً للرحلة في مدينة بيتروسبورغ، واختار لاكوتسك (في سيبيريا الشرقية) كمكان لجميع كل اعتدته الضرورية للرحلة ولبناء سفنه. وقد اقتضى نقل كل هذه الأعتدة الذي من بنائها وتجهيزها مسافة ٨,٠٠٠ كلم براً لإيصالها إلى مرفأ أخوتسك (في أقصى الطرف الشرقي من روسيا). وكان على السفن أن تقطع بحر أخوتسك حتى كامتشانكا. ويكفي هنا إلقاء نظرة على الخريطة حتى يتبين القارئ جسامة المهمة البطولة وخطورتها. وصل بيرنغ ورجاله بالبغل نهار طيلة ثلاثة أعوام وهم يعملون في مدينة بيتروسبورغ (سان - بيترسبرغ)، ولاكوتسك وأخوتسك. وفي صيف ۱٧٢٨ ، انطلقوا باتجاه الشمال، في الشمال - الشرقي من آسيا، اكتشف بيرنغ جزيرة سان لوران وجزر ديوميد. قطع المضيق الذي يحمل اليوم اسمه، لكنه لم يلاحظ شاطئ قارة أميركا الشمالية. وبعد خمس سنوات من انطلاقه من بيتروسبورغ (في ١٧٣٥)، عاد بيرنغ إلى روسيا وقدم تقريره إلى معهد الأميرالية الذي درسه لمدة سنتين، ثم أجاب صاحبه بأنه لم يفلح كفاية في مهمته التي كانت تقضي بأن يستمر بالإبحار حتى يلتقي منشأة أوروبية. ومع ذلك، لم تصدق ادعاءاته بيرنغ من اقتناع الامبراطورة أن الاستمرار في التجول الأبحاث التي كان بطرس الأكبر قد أمر بها. فأعيد الأمير فيرنغ وطلب منه أن يستفيد في إدارة مشروعات الاستكشاف. فكرس ١٥ سنة من حياته لهذا الغرض حتى وفاته في ١٧٤١ بسبب جنوح سفينته في جزيرة نائية. لقد كان من شأن اكتشاف بيرنغ، الذي أتاح للبشرية تعميق معارفها حول شمال - شرق آسيا"
"للطاقة للحياة البشرية كما عرفتها الحضارات البشرية السائدة دائماً إلى ظروف بيئة صالحة للتطوير والنمو. لكن وجود المجموعات هناك حقيقة واقعية، ولا مجال، هنا، للمقاييس أو المعايير، لا التاريخية ولا الحضارية والاجتماعية المعروفة. ليس معروفاً بعد متى بدأ السكن في الأركتيكا. لكن الدارسين يكتفون بالقول انه مضى زمن على هذه السكنى البشرية. ويوزعون المجموعات هناك على : لابونيين، وساومودين، وتشوفكتشييين (أو نينتين)، وأستياكيين، وكورياكيين، وبياكايغيين وتونغوسيين ، تركوا المناطق المجاورة وقدموا للعيش في الأركتيكا. وهم يشكلون قدرة فائقة على مقاومة البرد، ونمط عيش مشترك. وقد اتقانهم المستكشفون البيض إبان سعيهم في العثور على طريق بحرية قصيرة توصل أوروبا بالصين، أو إبان إستكشاف القطب الشمالي. وأهم هذه المجموعات أكثرها شهرة الأسكيمو الذين يقدر تعدادهم اليوم بنحو ١٢٥ ألف نسمة. يعيشون من الصيد في البحر أو في المياه الحلوة. حيوان الفقمة يبقى الثروة الأثمن لهم : يتغذون بلحمه وشحومهم كلامهم منه، يستضيفون ويستمدون من شحمه، يصنعون أحذيتهم من جلده، ويخيطون ثيابهم من أمصاله. واللحم هو المادة الغذائية الأولى لهم. فكل فرد منهم يستهلك ما متوسطه ٩ كلغ من اللحم يومياً. تضاف اليها كمية أخرى من الدهن ، مما يجعله مقاوماً للبرد ويختزنا في جسمه لكمية غذائية تساعده على البقاء لأيام دون طعام. ومن الحيوانات التي يصطادونها أيضاً : الرنة، والكاريبو والثعلب. يبنون بيوتهم من خشب وحجار وجلود الفقمة وحتى من الجليد. أما كلابهم فتحتجز لها أوكاراً في الثلج ولا تبنى لها فيها إلا فتحة صغيرة جداً للتنفس. وفي المنطقة نباتات من أنواع كثيرة، وهي تظهر أوتعيش فترة قصيرة من (عدة أيام الى ثلاثة أشهر كحد أقصى). يقول الكاتب والمستكشف القطبي ستيفنسون : الأركتيكا تبدو حديقة اذا ما قورنت بالأنتاركتيكا. العائلة، لدى الأسكيمو وحدة شديدة التماسك في ما بين أفرادها، وخاصة لسلطة الأهل بصورة مطلقة. وعدة عائلات تشكل قبيلة يجتاز زعيمها من المشهد لهم في فنون الصيد. ولغة الأسكيمو بسيطة للغاية إذ تكفي كلمة واحدة، في أغلب الأحيان، لتعبر عما تحتاج للتعبير عنه جملة كاملة في اللغات الأخرى. أما نظامهم الديموغرافي فعلى شيء من التعقيد : يؤمنون بكائنات عليا، تحيط بها الألغاز ومخيفة، يتلقى شرها بالتعويذ والطقوس السحرية. لكن هذه المعتقدات في طريقها الى الزوال، إذ إن المسيحية آخذة في الانتشار بينهم، وهم يبدون، في الوقت نفسه، الحد الأقصى من التمسك بثقافتهم الأصلية. أتقن بعض المستوطنين والتجار (البيض) في بعض المناطق الأركتيكية عدداً من الأسكيمو بالاقامة في بيوت حديقة مجهزة بوسائل تدفئة حديثة. فكانت النتيجة، كما يعتقد أكثر الباحثين، ان هذا التغير في المسكن جعل الأسكيمو أكثر تعرضاً لأمراض مثل السل وغيره من الأمراض التي أدخلها البيض الى تلك المناطق.
الاركتيكا اليوم
للدولتان العظمتان: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي تنافساً، من على طرفي الأركتيكا، في تطوير قدراتهما الاقتصادية والعسكرية في تلك المنطقة من العالم."
"الاتحاد السوفياتي (سابقاً أي قبل ١٩٩١) ركز على إستكمال إمكانيات الممر الشمالي - الشرقي. فكانت السفن السوفياتية تجوب الممر في الاتجاهين، وتسلك المجاري المائية الكبرى الى داخل أراضي الاتحاد السوفياتي، فسيبيريا، التي كانت في السابق منطقة إبعاد ونفي، فقط، للمعتقلين السياسيين ، بدأت تصبح مأهولة بسبب البدء في استغلال ثرواتها المنجمية (ذهب، نيكل، أورانيوم ، ألماس، فحم، كوبالت، قصدير، الخ.) ، وتطور الصناعة والزراعة فيها : تربية الماشية - خصوصاً الرئة - كان هدف عناية خاصة. وتم بناء سدود ضخمة لإنتاج الكهرباء. مورمانسك، أكبر ميناء في خليج كولا على بحر بارنتس، والواقع عند منفذ الممر الشمالي - الشرقي، أصبحت تعد (في بداية الثمانينات من هذا القرن) نحو ٣٥٠,٠٠٠ نسمة. وهناك أيضاً مدينة نوريلسك التي تشهد انطلاقة مهمة والتي تعد نحو ١٥٠,٠٠٠ . إضافة الى مدن سيبيرية أخرى تعد كل منها أكثر من ٥٠,٠٠٠ . الأجور مرتفعة نسبياً، والناس يعيشون في بنايات كبيرة ، مدارسهم ومستشفياتهم الحديثة مؤمنة كذلك. ومن جهتهما، بدأت كندا والولايات المتحدة بإنهاء عزلا لي إقليمهما الشمالي نحو ربع قرن من الروس. ومنذ قبل نحو ١٥ سنة فقط (أي في أواخر سبعينات القرن الحالي) وجدنا أنه من الضروري البدء بإبحاث منهجية في تلك المناطق، خاصة في ما يتعلق بآبار النفط والثروات الباطنية الأخرى، وكذلك بتشجيع الاستيطان هناك. وكان الممر الشمالي - الغربي لا يزال – حتى ذاك الوقت - غير ممر بطريق بحرية قصيرة لنقل النفط ومختلف المعادن. فالرحلة التجارية الأولى عبر هذا الممر قامت بها السفينة «مانهاتن» في صيف ١٩٦٩ . يعتقد بعض الباحثين أن الجليد في الأركتيكا آخذ بالتضائل حجماً سنة بعد سنة ، ما يدفع على الاعتقاد أن الملاحة ستكون هناك أسهل في المستقبل. لكن، لا يزال العلماء يجهلون إن كانت ظاهرة ازدياد الدفء مؤقتة أو دائمة. إن وجود التجهيزات العسكرية السوفياتية والاميركية في الأركتيكا، وحرص الدولتين الدائم على تقوية هذه التجهيزات، زاد من عدد السكان هناك. فلك الأمبركيين الذين يعيشون في ألاسكا هم من المسكيمين ومن أفراد عائلاتهم. وهناك نحو سبعة آلاف رجل في القاعدة الجوية الأميركية في تولي في غرونلندا. وقد أقام الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة محطات رادار على طول دائرة الأركتيكا، إضافة الى العديد من القواعد الجوية. كما أن هناك غواصات مجهزة بصواريخ تحمل رؤوساً نووية. والجدير ذكره، أخيراً ، ان تفكك الاتحاد السوفياتي (١٩٩١) يعني اندفاعة الروس في الأركتيكا دون شك بسبب الكثير من المشكلات الناجمة عن هذا التفكك. لكن من المفيد ملاحظة انه لم يكن هناك ثمة دولة سوفياتية في الأركتيكا، بل كان هناك في الأساس مناطق روسية. فالطور والإنماء في القسم الروسي من الأركتيكا عائد للدولة الروسية (راجع سيبيريا)."