هل كانت القارة القطبية الجنوبية غابات؟

 



القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)

قارة مغطاة بالجليد، تحتل أقصى جنوبي الكرة الأرضية، ومركزها (القطب الجنوبي). تغمرها المحيطات الثلاثة: الباسيفيكي والأطلسي والهندي. رسمت حدودها معاهدة الأنتاركتيكا الموقعة في العام 1959. والمنطقة تشمل الأنتاركتيكا نفسها، والجزر المغطاة بالجليد وأقسام المحيطات الثلاثة هناك.

ليس في بيئة على الأرض مأهولة (أو طاردة) للحياة البشرية مثل بيئة الأنتاركتيكا، إذ لا تنبت فيها شجرة ولا نبتة، ولا وجود لحياة برية. فقط بعض الحيوانات (القيمة وأنواع من الطيور) تتواجد عليها موسمياً لتكتفي، وخلال فترات تزاوجها. بعض ما يمكن لحياة المحيط أن تقدمه لها من غذاء. إن نسبة 90% من مساحتها مغطاة بالجليد، ويقدر العلماء أنه لو قدر لهذا الجليد أن يذوب لارتفع مستوى مياه المحيطات 60 متراً وغطت جزءاً كبيراً من اليابسة. أكثر المناطق صقيعاً، إذ سجلت في قاعدة فوستوك السوفياتية، في 24 آب 1960، درجة الحرارة فبلغت 88.2 مئوية تحت الصفر. وهي أكثر درجات الحرارة انخفاضاً عرفتها كوكب الأرضي. وهي، إضافة إلى ذلك، أكثر المناطق تعرضاً للرياح الباردة، رياح لا يقف في وجهها عائق. تغطي الأنتاركتيكا مساحة تبلغ أكثر من 13 مليون كلم 2. وهذا ما يعادل تقريباً مساحة الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعتين. وقد تراكمت عليها الثلوج والجليد عبر آلاف السنين، وهي تغطي نحو 80% من مجموع مساحة. تتكاثر فيها كتل جليدية (هي أشبه بجبال على اليابسة) قد تتراوح كتل عشرات الأمتار ارتفاعاً ونحو 200 كلم طولاً. وأكبر بقعة جليدية هي بقعة بيردمور التي اكتشفها في العام 1908 السير ارنست شيكلتون. وهي بقعة منخفضة تبلغ سماكة الجليد 3 كلم. وهذا ما أكدته الدراسات التي وضعها المستكشف دانيال لإيهان، بتكليف من مختبر ويستون التابع لجامعة ويسلاند، والذي أجرى دراسته في القطبين الأمريكية في القطب الجنوبي خلال السنة الجيوفيزيائية الدولية (1957 - 58). وما أثبته أيضاً أن سطح الأرض في القطب الجنوبي يرتفع 150 م عن سطح البحر. وإن هذه الأرض مغطاة بطبقة جليدية متوسط سمكاتها 2700 م. هكذا تكون القاعدة الأمريكية على ارتفاع 2850 م عن سطح البحر.

الحيوانات في الأنتاركتيكا

طير البطرس هو الأكثر تواجداً وتوافراً في المنطقة. يبلغ طوله بين 60 - 75 سم. منه 17 نوعاً، أشهرها وأكثرها معرفة من المستكشف نوعان: البطرسج الأدلي والبطرسج الإمبراطوري (نسبة إلى الهيئة). هذان النوعان يتواجدان فقط في هذه المنطقة الجنوبية من أميركا، و المنطقة الجنوبي القطبى حتى مستوى جزر غلاباغوس قرب الأكوادور. لا تخشى هذه الطيور الإنسان، لكنها ترعب من نوع آخر من الطيور، يدعى «سكواس»، (شبيه بالورس)، الذي ينقض، في البر، على أعشاشها وصغارها وبيضها فيفتك بها، وعدوها في الحياة نوع من القيمة يقال لها «الفقمه - الفهد» التي يمكن لواحدة منها أن تلتهم العشرات من طيور البطرسج (وجد أحد العلماء في معدة فقمة واحدة ليس أقل من 32 طيراً). وقد حدد علماء الاختصاص أنواع القيمة بستة أنواع. وفي أواسط القرن التاسع عشر أوشكت القيمة على الانقراض بسبب كثرة اصطيادها للانتفاع،

هل هي بلاد مدارية؟

منذ اليوم الأول لاكتشافها طرحت الأنتاركتيكا لغزاً محيراً أمام المستكشفين والعلماء. إذ ليس فيها من وجود لنبتة واحدة، ومع ذلك هناك ما يشير إلى أنها كانت مليئة، في العصور الموغلة في القدم، بغابات الصنوبر والنخيل والخضار وقد تصدى بعض العلماء لتوضيح هذا السر الذي يبدو أنه أُخذ بالاكتشاف: فالأنتاركتيكا عرفت، عبر عصور التطور الجيولوجي، مناخاً أقرب إلى الدفء، وهناك وقائع تثبت هذا الأمر. فخلال صيف 1892 - 93، تم اكتشاف بقايا شجرة صنوبر ضخمة متحجرة في جزيرة سيمور قرب الرأس الشمالي من شبه جزيرة الأنتاركتيكا. وكذلك اكتشف السير إرنست شيكلتون، إبان محاولته الوصول (كأول مستكشف) إلى القطب الجنوبي (1908 - 1909)، جذع شجرة صنوبر متحجر في بقعة بيردمور الجليدية؛ ووجد أيضاً كمية من الفحم ذات النوعية الرديئة. وبعد سنوات، أكدت رحلة سكوت الاستكشافية هذا الاكتشاف. والأمر نفسه بالنسبة إلى الرحلات اللاحقة التي عثرت على مزيد من بقايا الصنوبريات المتحجرة. البروفسور لورنس غود (عالم جيولوجي أميركي في رحلة الأميرال بايرد قبل الحرب العالمية الثانية) اكتشف مناجم من الفحم الحجري وجذع شجرة وأوراقاً متحضرة في 1940. اكتشفت بعثة علمية نظمتها جامعة أوهايو الأميركية بقايا حلزونات متجمدة.

وضعت عدة نظريات لتفسير وجود هذه الآثار. واحدة منها كانت تستند على وجود «جسور» كانت تربط بين القارات، لكن سرعان ما تهافتت هذه النظرية بعد اكتشاف أعماق البحار التي لا يمكن أن تسمح بوجود مثل هذه الجسور. نظرية أخرى، معروفة، تتحدث عن «زحف» القارات. لكن، ولإثبات أساس لهذه النظرية، يفترض، وبشكل مسبق إثبات أن الفقريات (الحيوانات ذات العمود الفقري) التي عاشت في الأنتاركتيكا كانت هي نفسها الفقريات الموجودة في القارات التي انفصلت عنها الأنتاركتيكا.

فمن أجل هذا الهدف - الإثبات أرسل معهد الدراسات القطبية في جامعة أوهايو فريقاً من علماء الجيولوجيا لاكتشاف الجزء الأعلى من بقعة بيردمور الجليدية في 1977 - 78. وفي كانون الأول، اكتشف هذا الفريق الذي كان يقوده البروفسور النيوزلندي بيتر جيي، بارت، في مجرى نهر غي باترسيات، نباتات متحجرة تعود الى الحقبة الترياسية (أو الثلاثية: أقدم عصور الدهر الوسيط وقد سادت الزاحفات وبدأت الثدييات بالظهور)، أي الى نحو 200 مليون سنة. وعلى بعد نحو 570 كلم، عثر على ما سماه البروفسور إدوين كولبرت (مسؤول قسم الإحياء في متحف التاريخ الطبيعي في نيويورك) اكتشاف القرن: قطعة من فك طوله 6 سم يعود الى نوع من الضفدعيات عاش في الحقبة الترياسية. ورأى الدكتور كولبرت أن هذا الحيوان يشبه سمدلا (Salamandre) ضخماً يبلغ طوله 1.20م.

كان هذا الاكتشاف هو البرهان على ان الفقريات البرية كانت تسكن الأنتاركتيكا في تلك الحقب السحيقة. فساهم (الاكتشاف) في نشر النظرية القائلة بأن الأنتاركتيكا كانت، في العصور الجيولوجية، متصلة بقارات أخرى، وأنها على الأرجح كانت جزءاً مما أطلق عليه اسم غوندواندال:

أرضية وجودها وجود افتراضي وعلمي في الوقت نفسه، أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى غوندوانا في الهند. وكانت هذه الكتلة تشمل شبه الجزيرة الهندية وبعض الأجزاء من أفريقيا ومن أميركا الجنوبية، ومدغشقر، وأستراليا، وتاسمانيا وجزر الفوكلاند والأنتاركتيكا. وتقول نظرية زحف القارات هذه إن كتلة غوندوانا قد تجزأت وتباعدت أجزاؤها منذ مئات ملايين السنين.

عصر الاكتشاف

الأنتاركتيكا آخر القارات المكتشفة في العالم. وحتى السنة الجيو - فيزيائية الدولية (من أول تموز 1957 إلى آخر كانون الأول 1958)، لم تعد الأنتاركتيكا موضوع استكشاف بالمعنى التقليدي للكلمة. إذ استمرت هناك بعض الدراسات العلمية فقط. لكن في فترة هذه السنة المذكورة (18) شهراً) جمعت معلومات حول هذه المنطقة تفوق بأهميتها كل المعلومات التي جمعت خلال السنوات التي أعقبت الاكتشاف في 1820. المستكشف الإنكليزي الشهير، كوك، أبحر حول الأنتاركتيكا. وكان الرجل الأول الذي اجتاز الدائرة القطبية الجنوبية. كتب يقول: «إذا تجرأ أحد وتوغل في تلك الكتلة الأرضية فإنني على ثقة بأن العالم لن ينتفع بشيء من ذلك». إحدى الطرق التي كانت تسلك باتجاه الصين قصد التجارة كانت تدور حول رأس هورن. وإبان من أوائل القرن التاسع عشر كثر الحديث عن وجود الفقمة بالآلاف في المنطقة. ولما كانت فقمة القطبي الشمالي آخذة بالانقراض بسبب كثرة اصطيادها، بدأ الصيادون والتجار يقصدون القطب الجنوبي بحثاً عن هذه الفريدة الثمينة. في 1820، اتفقت على أرض الأنتاركتيكا، ثلاثة فرق: أميركية وروسية وبريطانية؛ فقامت بأعمال استكشافية مشتركة. أما الأعمال الأهم فكانت من نصيب الفريق الروسي بقيادة الأميرال الروسي فابيان بيليغسن الذي اعتبر كأول مستكشف دار حول الأنتاركتيكا بعد كوك. فاكتشف جزيرة شاسعة دعاها «أرض الإسكندر» نسبة إلى إسم القيصر الروسي، إضافة إلى ما أنجزه من أبحاث علمية كبيرة الفائدة. أما إسم «الأنتاركتيكا» فقد خلعته على المنطقة «اللحية الدولية للجغرافيا» بعد سنوات قليلة من تلك السنة التي التقى فيها هناك الأميركيون والروس والإنكليز. واستمرت الاستكشافات في الأنتاركتيكا طيلة القرن التاسع عشر، وأخذت المناطق تتحمل إسم مستكشفيها من أميركيين وروس وإنكليز، ومنها أسماء فرنسية وبلجيكية وألمانية ونروجية. حتى 1900، كانت الاستكشافات تكتفي بالمناطق الساحلية من القارة. بعد، أخذ التوغل إلى الداخل، فتمكن النرويجي روالد أموندسن من زرع علم بلاده في الداخل يوم 14 كانون الأول 1911، وعاد إلى مركبه، واستقبل في بلاده استقبال الفاتحين. وبعد نحو شهر (17 كانون الثاني 1912) وصل الى المكان نفسه البريطاني روبيرت فالكون سكوت، فشاهد العلم النرويجي مرفرفاً هناك. وفي طريق عودته إلى المركب، وقبل أن يصل اليه بنحو 18 كلم فقط، قضى هو وأفراد فريقه نتيجة الإعياء الشديد. ومنذ 1920، بدأ الأميركيون (الأميرال ريتشارد بايرد) الاستعانة بالطيران. وازداد اهتمام المؤسسات العلمية في بلدان عدة) بالأنتاركتيكا، وبدأ التحضير لافتتاح «السنة الجيو- فيزيائية الدولية» حيث ادرجت على جدول برامجها الدراسات المعمقة للقارة الجديدة.

السنة الجيوفيزيائية الدولية

في ربيع 1950، اجتمع بعض العلماء الرواد، في ضاحية من ضواحي واشنطن. وخلال الاجتماع، اقترح البروفسور الأمريكي لويد بيكر إقامة سنة قطبية دولية ثالثة. لماذا ثالثة؟ تعود الفكرة إلى 1882 حيث قامت 12 دولة بإرسال رحلات استكشاف إلى الأنتاركتيكا والى منطقة في الأنتاركتيكا بهدف التعاون في وضع دراسات جيو - فيزيائية حول هذه المناطق. وما وضع من معطيات جيو - مغناطيسية - نتيجة ذلك التعاون - لا يزال مدرجاً في الكتب التي تتكلم عن المغناطسية الأرضية. وبعد خمسين سنة (أي خلال 1932 - 33)، وخلال السنة القطبية الدولية الثانية: تضافرت جهود 34 دولة لدراسة الكرة الأرضية بأكملها. فالتقليد يقتضي، اذا، تكريس سنة جيو - فيزيائية كل خمسين سنة. لكن العالم الكندي جي. توزو وبلسون اقترحا فترة إقامة هذه السنة فوراً على أساس أن العالم العلمي يجب أن لا ينتظر فترات الخمسين سنة. فقبل اقتراحه بخمسين. وتقررت السنة الجيوفيزيائية الدولية. أقر المجلس الدولي للاتحادات العلمية اقتراح الدكتور بيكر وشكل لجنة (اللجنة الخاصة بالسنة الجيوفيزيائية الدولية) كلفت وضع برنامج علمي دولي للأبحاث الجيو - فيزيائية. واختيرت الفترة الواقعة بين أول تموز 1957 و31 كانون الأول 1958 لتكون هي السنة المحددة. ضمت اللجنة الخاصة مندوبين عن أربعين دولة، وشكلت لجان محلية (في داخل كل دولة)، واتفق على أن تعقد هذه اللجان اجتماعات دورية في أوروبا قصد التنسيق في ما بينها. وإضافة إلى مهماتها الأساسية القاضية بوضع البرنامج العلمي الأساسي للسنة، اهتمت اللجنة بتحديد قواعد العمل ميدانياً، وتأمين الدعم اللوجيستي لفرق العمل، والاتصالات وإقامة شبكة من المواصلات. اقترح الانكلزي إرسال بعثتين منفصلتين الى فاملي باي في بحر ويديل، واحدة علمية واخرى رياضية. الأولى نظمتها وأشرفت عليها الشركة الفاميلية المساهمة في أعمال السنة الجيوفيزيائية الدولية. والثانية هي البعثة الأنتاركتيكية والعائدة للكومنولث، والتي عرفت بـ «آخر رحلة كبرى على الأرض». إذ كلفت عبور القارة من بحر ويديل مروراً بقرب القطب ومواصلة الرحلة حتى بحر روس. وهذه المسافة، التي كان يحلم بها سكوت، وشيكلتون وغيرهما من المستكشفين، كانت بأشراف الملكة. أما نيوزيلندا فشاركت الولايات المتحدة إدارة القاعدة التي أقيمت بالقرب من القاعدة الأميركية التي سبق واستكشفها الأميركي ماك موردو، كما شاركتها في استعمال محطة هاليت. ومن المشتركين المساهم النيوزيلندي السير إدموند هيلاري الذي سبق له ووصل الى قمة إيفرست. في أواخر 1900، غادرت البعثتان الفرنسية والأوسترالية لأستراليا باتجاه قواعدهما في الأنتاركتيكا. وهاتان البعثتان كانتا الأهم في إطار برنامج السنة الجيوفيزيائية الدولية. وكان دور القاعدة الفرنسية (دومون دورفيل)، (التي سبق وأنشئت منذ 1907 بقيادة بول - أميل فكتور) هو الدور الأساسي. استعين بالطيران. وضعت الخرائط. أخذت الصور. أنجزت المنطقة براً. واكتشفت مناطق وجبال جديدة أضيفت على خريطة الأنتاركتيكا التي كانت تعج بالحركة وبالعمل العلمي التعاوني. وكل ما كان قد اكتشف حتى تاريخه لم يكن بالمستوى الذي قد يثير الأطماع أو يدفع أية دولة للتفكير في انتهاج سياسة مرتبكبة حيال هذه القارة. وهذا الأمر كان في الأساس التصديق على معاهدة الأنتاركتيكا.

تم استخراج النص من الصورة بنجاح:

معاهدة الأنتاركتيكا (1959)

انطلاقاً من مبدأ الاستكشاف و «حقوقه» طالبت عدة دول بقطاعات من القارة خصتها. وكان هناك، أحياناً اعتراضات لم تصل إلى حد النزاع. فالولايات المتحدة، من جهتها، لم تطالب بمناطق تعود بها بالمعنى التقليدي والمعروف للكلمة. بل تمسكت بحقوق العبور الى كل القطاعات في القارة. وموقفها هذا مرتكز على نظرية سياسية مفادها ان المطالبة بإقليم جديد لا تتوقف فقط على اكتشاف هذه الأقاليم، بل على الإقامة الدائمة، في المكان المكتشف من قبل مواطني دولة ما. وخلال السنوات الأولى التي تلت المعاهدة المقترحة من الولايات المتحدة، استمرت دول عديدة بإرسال بعثات الى الأنتاركتيكا لدعم مطالبها الإقليمية. فازدادت المنافسة واحتدمت النزاعات السياسية. أما المنطقة التي كانت أكثر إثارة للنزاع من غيرها فكانت شبه جزيرة الأنتاركتيكا. ذلك انها كانت موضوع نزاع بين التشيلي والأرجنتين وبريطانيا. لكن، وفي نهاية المطاف، حققت السنة الجيوفيزيائية الدولية نجاحاً مهماً بفتحها الطريق أمام معاهدة الأنتاركتيكا (1959). والدول التي وقعت على هذه المعاهدة هي: الأرجنتين، أوستراليا، بلجيكا، التشيلي، فرنسا، اليابان، نيوزيلندا، النروج، جمهورية جنوب افريقيا، الاتحاد السوفياتي، المملكة المتحدة (بريطانيا)، ايرلندا الشمالية والولايات المتحدة. وأهم بنود المعاهدة تنص على انه لا يجوز استعمال الأنتاركتيكا إلا لأغراض سلمية، كما لا يجوز إجراء أية تجربة سلاح من أي نوع كان (نووياً كان أو غيره)، ولا رمي النفايات الشعاعية. أما حرية البحث العلمي وتعاون الدول في هذا الشأن فأمر يبقى سائراً المفعول. وكذلك السماح بإجراءات تفتيش في القواعد القائمة والتي سوف تقام. والمرور عبر المنافذ وإلى كل المناطق حر أمام الجميع، وضرورة حماية كل أشكال الحياة في القارة والمحافظة عليها.

مستقبل الأنتاركتيكا

عند محاولة تصور مستقبل هذه القارة يجب أن لا تغيب عن الذهن ثلاثة عوامل غاية في من الأهمية: الأول، القارة الثانية جداً من باقي مناطق العالم، وخاصة عن المحاور الكبرى في التجارة والمواصلات العالمية. الثاني، إن نسبة تصل الى 95 - 99% من القارة مغطاة بالجليد، وسماكة طبقة الجليد هناك تصل الى حدود 4200م في بعض المناطق. الثالث والأخير، في الأنتاركتيكا كما في الأركتيكا تمر أشهر طويلة في السنة من دون أن يكون هناك ثمة ضوء يشير الى النهار. فهذه الوقائع الثلاثة، بطبيعتها، غير مشجعة للإقامة أو الاستيطان هناك. وهذا أمر قد تمر عليه عقود طويلة من الزمن بعد. ما يمكن قوله في صدد مستقبل الأنتاركتيكا، قياساً على حاجة الإنسان وقدرته، انها ستبقى، والى سنوات طويلة، على ما هي عليه الآن، مختبراً للبحث وللعلماء. وهناك عوامل قد تساعد، أو تدفع باتجاه أن تصبح مأهولة ومستغلة: تغيير في المناخ، وبلوغ الكثافة السكانية، على الأجزاء المأهولة من الأرض، حداً دراماتيكياً، وتأمين مواصلات أكثر سهولة وملاءمة. فالقواعد المتواجدة حالياً تحت الجليد في الأنتاركتيكا وفي غرونلندا يمكن أن تكون نماذج لمدن مستقبلية. والإمكان الاستعانة بفاعليات نووية سلمية لتأمين الطاقة والحرارة. ويؤكد علماء الجليد وجود آبار نفطية تحت

الجليدية، ومناجم فحم، وألماس وأورانيوم، وذهب وفضة. والمشكلة الكبرى هي في استخراجها ونقلها بأسعار معقولة. ويحكى أيضاً عن نوع من سمك، صغير في حجمه، يُدعى «كريل»، وهو مصدر غذائي غني جداً بالبروتين. والأمل باكتشاف المزيد من الثروات في الأنتاركتيكا لا يزال يحدو الكثيرين من المستكشفين والرحالة والمعالمين. وآخر رحلة استكشاف (1993)، قام بها المستكشف البريطاني السير رانولف فينس، ورفيقه مايكل سترواث، حيث امضيا 97 يوماً وقطعا 2200 كلم. ودى عودتهما الى بريطانيا، ردد فينس كلاماً مشابهاً لكلام الرحالة السابقين الى تلك المنطقة قبل أكثر من قرن، وعبر القود والسنوات الماضية. قال: «وجدت هذه الرحلة منفرة. فالذكريات التي احملها عنها ليست مبهجة أبداً».

صراع على الأنتاركتيكا

لكن «لمن؟» يبدو انه يحيى على ألسنة العلماء والخبراء، وكذلك الاستراتيجيين، خاصة الأميركيين الذين بدأوا يربطون بين القارة القطبية الجنوبية ومسألة الأمن القومي الأميركي بدافع مهم وواضح: القارة مخزون هائل للموارد الطبيعية. ففي كتاب صادر (1993) بعنوان له مغزاه: «القارة السابعة... أنتاركتيكا في زمن الموارد». وتأكد هذا المغزى اذا علمنا ان مؤلفة الكتاب، ديبورا شابلي، هي أستاذة محاضرة في مركز جامعة جورج تاون للدراسات الاستراتيجية والعالمية. ويقول مدير قسم الطاقة والموارد في دار النشر التي أصدرت الكتاب، «إنه دراسة شاملة جاءت في وقت تتصارع فيه أمم عديدة لإيجاد وضع قانوني لاستغلال موارد هذه القارة التي يحلو للبعض ان يشير اليها على انها إرث عام للبشرية. ومن غير الصعب ان تشعر بالتهكم الواضح في العبارة الأخيرة. تبدو واضحة العبارة الأخيرة في دلالتها على رغبة كاتبتها في ان تنفرد بلاده - الولايات المتحدة - في التحكم بأنتاركتيكا ومواردها». ويشير مقدم الكتاب الى ان «لغة نصره تعرى الحديث عن شؤون القارة السابعة هذه الأيام، وهي الملكية العامة للقارة. لقد تجد الأمم بالقارة القطبية الجنوبية ومواردها الطبيعية. ان ذلك يرتبط بسؤال مهم جداً هو: من يملك السيادة على أرض القارة الجليدية؟ أتناقض من نهاية القرن العشرين، وقد تغطي البشر في سعيهم الى الموارد الطبيعية الجديدة، حدود الكوكب، فأمتدت أنشطتهم ومساعيهم الى الفضاء الخارجي. وتبقى القارة الجنوبية القطبية لم تمس تقريباً، ولا يكاد النشاط الآدمي فيها يتعدى حدود الدراسات الحقلية والبحث العلمي!». وتعرض المؤلفة روابط بين الولايات المتحدة الأميركية والمنطقة القطبية الجنوبية. وترى أن ذلك ضروري لفهم الصوت القوي الذي كان للولايات المتحدة في كل ما تم من جهود دبلوماسية متصلة بقضايا القارة. وتعتمد المؤلفة على الوثائق الأصلية الموجودة في القسم القطبي في السجلات الوطنية الأميركية. فواضح، اذاً، ان التوجه توجه سياسي استراتيجي بالدرجة الأولى، خصوصاً لدى مناقشة الكاتبة لمسألة معاهدة الأنتاركتيكا التي أبرمت في 1959 بين 12 دولة (الأرجنتين، أوستراليا، بلجيكا، البرازيل، تشيلي، ألمانيا، فرنسا، الهند، اليابان، نيوزيلندا، النروج، بولونيا، جنوب أفريقيا، الاتحاد السوفياتي، انكلترا والولايات المتحدة). فترى الكاتبة ان تلك المعاهدة،

برغم القوى السياسية التي تدعمها وتوليها اهتماماتها، يجب أن تخضع لعملية تطوير لتناسب ودخول العديد من الدول والمؤسسات والتنظيمات الى دائرة الاهتمام بالقارة القطبية الجنوبية. وتحلل المؤلفة سياسات الولايات المتحدة في تأمين استمرار المنطقة، وتقدم توصياتها الداعية إلى التأكيد على الدور القيادي للولايات المتحدة الأميركية في إدارة شؤون تلك القارة البعيدة.

تعليقات