الإلحاد في اللغة: الميل والعدول عن الشيء. والإلحاد، في الدين، الميل عن الدين الحق. وهو أقسام، فقد يكون ذلك عن طريق الشرك وإعطاء خصائص الألوهية لغير الله عز وجل، أو بإشراك آلهة أخرى مزعومة معه سبحانه وتعالى.
وقد يكون الإلحاد بإنكار وجود الله تعالى. وكلا النوعين من الإلحاد انحراف عن الفطرة الإنسانية، وطمس لما في البصيرة. وقد كان النوع الأول شائعاً بين الناس خلال التاريخ البشري، إذ كان المشركون قديماً يقرون
وجود إله، ولكنهم ضلوا الطريق إلى معرفته، وأخطأوا في تصورهم له، فوجد من اتخذ الشمس والقمر أو مناظر الطبيعة المختلفة آلهة تعبد، وهناك من اتخذ إلهاً للخير وإلهاً للشر. وهناك من عبد آلهة متعددة واتخذ إلها أعلى يفوقها جميعاً كما كان شأن العرب في الجاهلية: ﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون﴾ العنكبوت: ٦١. ﴿ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون﴾ العنكبوت: ٦٣. ﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون﴾ يونس: ٣١. أما النوع الآخر من الإلحاد، والذي يعني إنكار وجود الله أصلاً، فقد انتشر خلال القرون الثلاثة الأخيرة (الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين)، وجاء نتيجة للصراع بين العلم والكنيسة في أوروبا. ذلك الصراع الذي انتهى بانتصار العلم وانهزام دعاة الكنيسة. وقد اتخذ مفكرو تلك الفترة هذا الموقف ذريعة لرفض الدين جملة وإنكار حقائقه وعلى رأسها الإيمان بالله. وقد انتشرت هذه الظاهرة (ظاهرة الإلحاد) انتشاراً واسعاً في الدول الأوروبية بصفة خاصة، وأصبحت له في بعض البلاد حكومات تحرسه ودول تحميه، وهو يتسلح ببعض النظريات العلمية المادية لتأييده، ويمكن اعتبار ظاهرة "العلمانية" جزءاً من التيار الإلحادي بمفهومه العام. ففي الرغم من ارتباط العلمانية بفصل الدين عن الدولة أو السياسة في الاستعمال الشائع، فإن لتلك الظاهرة دلالتها الأخرى المتصلة بذلك الفصل، والتي لقيت أهمية في الاستعمال الغربي المعاصر. فهي تدل لدى كثير من المفكرين ومؤرخي الفكر على "نزع القداسة عن العالم وتحويل الاهتمام من الدين بما يتضمنه من إيمان بإله وروح وبعالم أخروي أو ميتافيزيقي إلى انشغال بهذا العالم المرموز أو المحسوس وغير المقدس". ويمكن اعتبار العلمانية بمفهومها الشائع -أي فصل الدين عن الدولة- مرحلة مبكرة في هذا التوجه العام نحو ربط الحياة الإنسانية بالعالم الحس، لأنها تمنح الأولوية لذلك العالم في التشريع لحياة الإنسان وسياستها. وفي الآية القرآنية الكريمة إشارة إلى هذا المعنى العام والأساسي للعلمانية، حيث يقول الله على لسان الذين كفروا: ﴿إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين﴾ الأنعام: ٢٩. والدنيا هي العالم الوحيد بالنسبة للعلمانيين. ومن هنا استخدم مفهوم "اللا دنيوية" كمرادف للعلمانية. والعلمانية اشتقق فعل "العلمنة" ليدل على عملية التحول نحو هذا العالم.