الأكويني، القديس توما (1225-1274م)
كان أحد أشهر الفلاسفة وعلماء اللاهوت الذين عرفتهم العصور الوسطى في الغرب بتأثيره البالغ على الفكر النصراني وبصفة خاصة على مذهب الروم الكاثوليك. حياته. نشأ توما في عائلة ريتشان ببلدة روكاسيكا قرب كاسينو بإيطاليا. وتلقى تعليمه بجامعة نابولي من عام 1239 إلى عام 1244م. وانضم إلى سلك الرهبنة الدومينيكانية. عين قسيساً في عام 1250م على يد القديس ألبرت الكبير عالم اللاهوت الألماني. وفي عام 1256م صار توما أستاذاً للاهوت في جامعة باريس، حيث اشتهر بتميزه في الجمع بين ورعه الديني، وذاكرته الموسوعية وفرط تركيزه.
وفي عام 1265م بدأ في تأليف كتابه الدعوة إلى دحض المنكرين للعقيدة، يدافع فيه عن عقلانية العقيدة النصرانية، موجهاً خطابه إلى غير النصارى. وفي الفترة ما بين الأعوام 1269 و 1274م خصص كتاباته للتعليق على كتابات الفيلسوف اليوناني أرسطو. وفي عام 1276م بدأ في تأليف أشهر أعماله المسمى بحث لاهوتي شامل. وقد اهتم فيه بشرح العقيدة النصرانية بتصنيف وترتيب متقن. ولكنه مات أن توقف عن التأليف، إذ أعلن عن دخوله في تجربة وجدانية تركه يوقن أن مجمل ما فعله حتى ذلك الحين لا يرقى إلى ما تبدى له إثر ذلك الفيض الروحاني. وقد قام البابا يوجنا الثاني والعشرون بإعلانه قديساً في العام 1323م. ويحتفل بعيده في السابع من مارس من كل عام.
أثره الفكري. أفاد توما كثيراً من الفلاسفة المسلمين كابن سينا وابن رشد. وسعى إلى الجمع ما بين تعاليم الفلسفة الأرسطية، التي تلقاها عن طريق الفلسفة الإسلامية، والعقيدة النصرانية، ودلّل على ذلك بعدم وجود اختلاف بين العقلانية والإيمان. فالفلسفة أساسها العقل، أما اللاهوت فينشأ من الإيمان بالوحي الإلهي. وكان على يقين من أنه ينشأ من الاستدلال المنطقي. كما أكد على أن بإمكان العقل أن يصير ركيزة للإيمان، وقد دعم اعتقاده براهين تدل بها على وجود الله. ومن مأثوراته عن السعادة التي تبغيها جموع البشر، أن لاسبيل لتحقيقها إلا من خلال الاتصال الحميم بالله.
يذكر أن الله اختص نفراً من عباده بالقدرة على اجتناب المعاصي، مما يجعلهم قريبين منه. كما كان يوصي بالاستمساك بالشعائر المقدسة؛ لأنها تقوي الصلة بالله.
وكان توما على قناعة بأن على الحكومات واجباً خلقياً يجب أن تؤديه في حق رعاياها حتى تيسر لهم حياة قويمة، فكان يجهر بالتحذير من مغبة الجور على الحقوق المشروعة للرعايا، كحقهم في الحياة والتعليم والعقيدة والتناسل.