كيف تعامل القدماء مع المرض العقلي والنفسي؟

 





اعتقدت شعوب ما قبل التاريخ بحدوث الأمراض العقلية نتيجة لدخول بعض الأرواح والقوى الشريرة في

البدن وامتلاكه، مما دفع كهنتهم لإقامة بعض الطقوس السحرية، وإعطاء المرضى بعض الجرعات الدوائية وإجراء التنويم المغناطيسي لطرد هذه الأرواح، وقد يلجأون لعمل فتحة في جمجمة المريض لتسهيل خروج الأرواح.

واعتقد قدماء الإغريق أن الأمراض العقلية عقاب من آلهتهم. ولذلك لجأوا للصلاة وإجراء الاحتفالات الدينية للعلاج. وفي حوالي ٤٠٠ ق.م، ادعى الطبيب الإغريقي أبقراط حدوث الأمراض العقلية تبعاً لاختلال أربعة من سوائل الجسم هي الدم، والبلغم، والصفراء الصفراء، والصفراء السوداء. فقد اعتقد أن حدوث مرض الاكتئاب، نتيجة لزيادة الصفراء السوداء التي تعرف في الإغريقية باسم melan chole (ميلان كول) ومنها اشتقت كلمة ما ليخوليا أو ما لنخوليا أو ما يعرف باسم السوداوية والتي تعني الحزن.

عرف الأطباء العرب الأمراض العقلية، وكتب بعضهم رسائل تبحث في علل هذه الأمراض، ومنهم على سبيل المثال ابن عمران الذي ألف كتاباً باسم الماخوليا، وابن ميمون كتب رسالة بعنوان الرسالة الأفضلية تبحث في الحالات النفسية كالغضب والسرور والحزن وأثرها في الصحة. انظر: العلوم عند العرب والمسلمين (الطب).

وخلال العصور الوسطى، انتشر الاعتقاد بوجود السحر في أوروبا، حيث عد كل من يصاب بمرض عقلي ساحراً يستحق الموت حرقاً أو شنقاً أو غرقاً. أما من ينجو من تهمة السحر فمصيره السجن أو المستشفيات.

وفي خلال القرن السادس عشر الميلادي، أنشأت العديد من الأمم الأوروبية مصحات خاصة للمرضى عقلياً، ومن أشهرها مجمع سانت ماري بمنطقة بيثلم في مدينة لندن، وهو شهير باسم بدلام. وهناك يعاني المرضى من أوضاع غير صحية ومعاملات سيئة ومن ضرب المواطنين، والآن تعني كلمة بدلام الاضطراب والارتباك والبلبلة.

المعالجة الإنسانية. ظهرت في نهاية القرن الثامن عشر، عندما بدأ الطبيب الفرنسي فيليب بنل والتاجر الإنجليزي ويلي توك، العمل على تحسين الظروف المعيشية للمرضى عقلياً، وتحسين طرق علاجهم بالتّمارين الرياضية، وتعريضهم للهواء النقي الصحي، ووضعهم في بيئات صحية جيدة وسارة.

العلاجات الطبية. بدأ علاج الأمراض العقلية في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام ١٨٨٣م عندما قام الطبيب الألماني النفساني إميل كريبلن باقتراح تقسيم وتشخيص الأمراض العقلية. وواصل الطبيب السويسري إيوجين بلولر هذه الجهود ووسع من هذه التقسيمات، وأضاف تجربة فحص كل الجوانب في حياة المريض.

وفي بداية القرن العشرين، أدخل الطبيب النمساوي النفسي سيجموند فرويد نظرية قوى العقل الباطني - غير الواعي - في تحديد شخصية وسلوك الإنسان، واعتقد بأن التناقضات التي يعيشها الفرد في طفولته تؤدي لنمو وتقوية العقل الباطني. وأصبحت هذه النظريات من أساسيات التحاليل النفساني والنفسية النفسية.

التطورات الحديثة. بدأ ظهور الأدوية الفعالة في علاج الأمراض العقلية منذ الخمسينيات من القرن العشرين، مما ساعد المرضى على مغادرة المستشفيات، وتناول علاجهم بمنازلهم. ولكن تجدر الإشارة إلى خلو المنازل من الرعاية الطبية الجيدة، والاستشارات والنصائح الصحية التي تساعد المرضى على الاندماج في مجتمعاتهم، والاستمرار بصورة طبيعية، والحصول على مساكن ووظائف بصورة سهلة.

وقد أدى نجاح المعالجة الدوائية إلى تشجيع البحث عن طرق أخرى لعلاج الأمراض العقلية مثل دراسة العلاقة بين الأمراض العقلية والعيوب الوراثية والاضطرابات الجسدية الأخرى.


تعليقات