كيف ظهرت البروتستانتية ؟

 




"البروتستانتية اسم عام يطلق على مئات الطوائف والفرق النصرانية. والبروتستانتية وليدة حركة الإصلاح الديني المعروفة في أوروبا، وكلمة البروتستانت كلمة لاتينية معناها احتج، وقد استخدمت لأول مرة عام ١٥٢٩ م حينما احتج بعض الألمان على محاولة الكنيسة الكاثوليكية الحد من نشاط اللوثريين. ثم أطلق الاسم بعد ذلك على جميع الطوائف والفرق النصرانية التي اختلفت مع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وخرجت عليها. يعيش معظم البروتستانت في أوروبا وأمريكا الشمالية. والبروتستانتية مذهب عدد من الدول بما في ذلك الدنمارك وبريطانيا والنرويج والسويد. كما أن للبروتستانتية أثرا قويا في التاريخ الثقافي والسياسي لتلك الأقطار."

"معتقدات البروتستانت"

"يشترك البروتستانت مع الكاثوليك والأرثوذكس في الاعتقاد بإله واحد ذي ثلاثة أشخاص يكونون جميعا الثالوث: الأب والابن وروح القدس، ولكنهم يختلفون عن كل من الكاثوليك والأرثوذكس فيما يختص بالعلاقة بين الله والإنسان، وقد أدى هذا بدوره إلى اختلافهم بشأن طبيعة الإيمان والفضل الإلهي وسلطة الكتاب المقدس."

"الإيمان والفضل الإلهي. يعارض البروتستانت معتقد الكاثوليك في الخلاص عن طريق الإيمان والعمل الصالح. ويركز البروتستانت على الإيمان - فحسب - طريقا للخلاص. ذلك لأن الإنسان - في معتقد البروتستانت - لا يستطيع معرفة مقدار العمل اللازم لإرضاء الله ونيل الخلاص، إضافة إلى أنه لا يستطيع خلاص نفسه بسبب خطيئته، ومن ثم يؤكد البروتستانت على أن الخلاص فضل من الله يتم نيله عن طريق الاعتقاد بالمسيح وموته من أجل الإنسان لا عن طريق العمل."

"سلطة الكتاب المقدس. مصادر العقيدة عند الكاثوليك هي: الكتاب المقدس وقرارات مجالس الكنيسة والبابوات، وما يعرف بالمبادئ أو التعاليم والعقائد. أما البروتستانت، فإنهم يركزون على أن المصدر الوحيد للعقيدة هو الكتاب المقدس. وعلى الرغم من أن بعض الطوائف من البروتستانت تشير إلى التجربة الدينية الشخصية والعقل البشري باعتبارهما مقياساً لاختبار العقيدة، فإن الكتاب المقدس يظل المصدر الرئيسي لسلطة الدين لديهم."

"العبادة والطقوس"

"تتفاوت مراسم العبادة لدى طوائف البروتستانت ما بين اجتماعات عادية وغير رسمية عند أفراد طائفة الكويكرز وطقوس نصف رسمية منتظمة لدى كنائس الإنجيلية. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، فإن الطقوس لدى الجميع مختلفة. الإيمان بكلمة الله. معظم البروتستانت يركزون على الوعظ وسماع نصوص الكتاب المقدس لاعتقادهم أن الله يحضر قراءتهم وصلاتهم وتفانيهم ويمدهم بالعقيدة الصحيحة."

"الاعتقاد بالأسرار المقدسة. على الرغم من اختلاف البروتستانت حول طبيعة تلك الأسرار وعددها فإنهم جميعًا يؤكدون حسب معتقدهم: أ - أن التعميد دلالة على بداية حياة نصرانية أو رمز لعقيدة الشخص. ب - أن العشاء الرباني إشارة إلى أعمال المسيح وكلماته في العشاء الأخير، وهو عند البروتستانت رمز لعفو الله عن المذنبين. أهمية دور العبادة. تؤكد معظم كنائس البروتستانت دور أعضاء رجال الدين ونصحهم وتشجيعهم للمشاركة في طقوس العبادة من خلال الإنشاد والصلاة. كما يشجع البروتستانت ترسيم النساء أعضاء في الأبرشية، إشارة إلى مكانة المرأة في المجتمع اليوم."

"نبذة تاريخية"

"انبثقت معظم الطوائف البروتستانتية من حركة الإصلاح الديني المعروفة التي قامت في أوروبا، ولكن بعضها تم تأسيسه قبل ذلك كالكنيسة المورافية. وتمثل حركة الإصلاح قمة الدعوة إلى التجديد داخل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية التي كان من معالمها ترجمة الكتاب المقدس من اللاتينية إلى لغات محلية، مما جعل التعاليم النصرانية في متناول كثير من الناس، ورغب في العودة إلى القيم والبساطة التي اتسمت بها النصرانية في عهودها الأولى. ثم ظهرت سلسلة من الحركات الدينية التي التقت جميعها في دعواتها لبساطة ألياتها المركزية، ولكنها اختلفت فيما بينها نتيجة لعوامل ثقافية وجغرافية وسياسية ودينية. ويمكن تقسيم تلك الحركات جميعًا إلى خمس مجموعات."

"الحركات الإصلاحية المحافظة في القرن السادس عشر. تضم هذه الحركات جماعات انشقت عن الكنيسة الكاثوليكية ولكنها احتفظت بكثير من العقائد الأساسية لتلك الكنيسة ومن بين هذه الحركات وفقا لتاريخ ظهورها: اللوثرية وقد تم تأسيسها بفعاليات مارتن لوثر، وتعد من أوائل وأكبر الحركات البروتستانتية التي انتشرت بسورة شديدة في شمالي ألمانيا وبين الأمم الإسكندنافية خلال العشرينيات من القرن السادس عشر. ويتفق الللثريون عمومًا على أهمية الإيمان بسلطة الكتاب المقدس، ولكنهم اختلفوا اختلافًا كبيرًا، على شكل الطقوس وحكومة الكنيسة، وأدت تلك الاختلافات إلى نشأة طوائف عديدة. وهناك أيضًا الإصلاحية أو المشيخية وقد تطورت بدرجة كبيرة من تعاليم اثنين من المصلحين: زونجلي وهلدريتش (١٤٨٤-١٥٣٣م) وجون كالفن (١٥٠٩-١٥٦٤م). ففي عشرينيات القرن السادس عشر شجع زوينجلي على القيام بإصلاحات أكثر تطرفًا من إصلاحات لوثر. وقد أثرت تعاليمه بدرجة كبيرة في كل من إنجلترا وفرنسا وهولندا واسكندنا. وعرف أتباعه في إنجلترا باسم البيوريتان (المتطهرين) وفي فرنسا باسم الهوغونتين. كما عمل جون نكس على إدخال تعاليم كالفن إلى اسكلندنا. أما الأخلاقية أو الأسقفية، فقد بدأت في إنجلترا نتيجة لقانون السيادة لعام ١٥٣٤م الذي أعلن فيه الملك هنري الثامن استقلاله عن البابا. وأصبح بذلك الرأس الأعلى للكنيسة في إنجلترا، ورغم أنه ظل كاثوليكيًا، ولم يشجع أفكار البروتستانت مثلهم، فإنه أمر بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الإنجليزية، ونتيجة لذلك وبعد جدال طويل وسفك للدماء، تأسست الكنيسة الإنجيلية في إنجلترا. وفي عام ١٥٥٩م أسست الملكة إليزابيث الأولى نموذجًا معتدلاً من البروتستانتية عرف فيما بعد بالأنغليكانية. الحركات الإصلاحية الراديكالية في القرنين السادس عشر والسابع عشر: اختلفت بعض الفرق الدينية الصغيرة عن كل من الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانتية الكبيرة. وقد رأى هؤلاء أن المصلحين البروتستانتية الحافظين لم يذهبوا إلى المدى الكافي في إصلاح الكنيسة الكاثوليكية، ومن ثم رفضوا تلك الإصلاحات الحافظة وكونوا طقوس عبادة خاصة بهم. ومن تلك الحركات المتطرفة يطالبون بتجديد العماد والكويكرز، وكذلك الانفصاليون. حركات الكنيسة الحرة في القرنين السادس عشر والسابع عشر: تتكون هذه المجموعة من حركتين تطورتا من كنائس المتطرفين هما الابرشانيون (المستقلون) والمعمدانيون. والواقع أنه خلال سنوات الأخيرة من القرن السادس عشر عارضت طوائف من البيوريتان بعض سياسات الكنيسة الأنغليكانية، وانفصلوا عنهم لشعورهم بعدم إمكانية إصلاحها من الداخل. وعرفوا بالانفصاليين ثم أصبحوا يعرفون بالأبرشانيين المستقلين."

لإيمانهم باستقلال كل جماعة محلية وحقها في إدارة كنيستها. وقد انقس جون سميث الإنجليزي جماعة من الانفصاليين إلى هولندا، ودعا إلى تعميد الكبار فقط، ممن يستطيعون التعبير عن معتقداتهم، وسميت جماعته بالمعمدانيين. وقد انتشرت حركات الكنيسة الحرة في مستعمرات أمريكا، فأفلت وليم بروسترهو جماعة انفصالية، مستعمرة بليموث عام ١٦٢٠م، كما أنشأ القائد الديني روجر وليامز كنيسة معمدانية في بروفدنس في مستعمرة رود أيلاند. وفي بداية القرن العشرين أصبح المعمدانيون أكبر طائفة بروتستانتية في الولايات المتحدة الأمريكية.

حركة الميثوديست في القرن الثامن عشر:

تطورت بشكل رئيسي من حركة دعاة التقوى التي بدأت في أوروبا خلال القرن السابع عشر. وقد أكدت حركة دعاة التقوى على أهمية الورع والتقوى الشخصية والأخلاق بوصفها تعبيرا حقيقيا عن العقيدة.

وفي بداية القرن الثامن عشر، بدأ رجل الدين الإنجليزي جون ويزلي حركة إصلاح في الكنيسة الإنجليزية تؤكد على ضرورة التجربة الدينية الشخصية، ولم يقتنع باستجابة الأنجليكان لإصلاحاته. ومن ثم نظم عام ١٧٤٤م حركة المنهجيين، التي نمت بسرعة في إنجلترا وانتشرت في وقت متأخر في الولايات المتحدة.

حركة الوحدة في القرنين التاسع عشر والعشرين:

منذ منتصف القرن التاسع عشر أظهر كثير من النصارى، ومن بينهم البروتستانت الرغبة في تجاوز خلافاتهم، وظهرت الدعوة إلى توحيد طوائف البروتستانت، وإلى الاتحاد بينهم وبين الأرثوذكس والكاثوليك.

وفي عام ١٨٤٨م أنشئ التحالف الإنجيلي لإتاحة الفرصة للحوار والصداقة بين النصارى. وفي منتصف القرن التاسع عشر، أنشئت جمعية الشباب النصارى للرجال والنساء. وفي عام ١٨٩٥م دعا الاتحاد العالمي للطلاب النصارى بعض الطلاب للبحث عن طرق نشر النصرانية بين الطلاب.

ومع بداية القرن العشرين، أصبح الاتجاه نحو وحدة النصارى يعرف بالحركة المسكونية. وفي عام ١٩٤٨م، كون قادة الكنائس مجلس الكنائس العالمي، وهي المنظمة التي تعمل على التعاون والوحدة بين جميع الكنائس في العالم. وفي عام ١٩٦٥م عبر البابا بولس السادس في خطابه في نهاية مجمع مسكوني يعرف بمجمع الفاتيكان الثاني عن الحاجة إلى الوحدة بين النصارى. وقد رحب كثير من البروتستانت والنصارى آخرون بعبارات البابا عن روح الوحدة في ذلك المجمع.

تعليقات