ما تاريخ أيرلندا وما غرائبه

 








أيرلندا، تاريخ. لتاريخ أيرلندا سمات عدة، أولاها أنه تأثر بموقعها الجغرافي بالنسبة للقارة الأوروبية، وثانيتها صلتها بإنجلترا التي حاولت السيطرة عليها ومقاومة أهلها لذلك، وثالثتها الحروب المدمرة التي شهدتها أيرلندا، ورابعتها الاضطهاد الديني والسياسي فيها، وآخرها الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها وجعلت كثيراً من أهلها يهاجرون إلى بلدان أخرى. تعرضت أيرلندا لعدة هجرات في فترة ما قبل الميلاد كانت أولاها عام ٦٠٠٠ ق.م عندما جاءها قوم من أسكتلندا واستوطنوها. ثم هجرات أخرى لأقوام آخرين عام ۳۰۰۰ ق.م، وكذلك عام ٢٠٠٠ ق.م وعام ٤٠٠ ق.م. وقد ترك كل من أولئك المهاجرين بصماتهم على تاريخ أيرلندا القديم. عرفت أيرلندا النصرانية حوالي ٤٣١م، وأنشأ الرواد الأوائل الكثير من الأديرة، وأصبحت أيرلندا كذلك مركزاً مرموقاً للدارسين الذين كانوا يهاجرون للتعلم في مدارس أديرتها، وكان ضمن أولئك المهاجرين بعض ملوك أوروبا آنذاك. كذلك ازدهر الفن حول تلك الأديرة، ومنها انطلق المنصرون إلى أصقاع أوروبا. اعترى كل ذلك الخمول والضعف خصوصاً عندما غزا الفايكنج أيرلندا وسيطروا على معظمها في الفترة (٧٩٥-٩٩٥م). ولكن سرعان ما استوعبت أيرلندا فاتحيها الفايكنج حيث اختلطوا مع أهلها، وتزوجوا منهم، بل إنهم

اعتنقوا النصرانية، وصاروا كأهلها تماماً، يناصرونهم في حروبهم، ويعيشون معهم سلمهم. وقد شهدت الفترة من ٩٥٠ - ١١٦٩م نزاعات وحروب بين ملوك أيرلندا المتنافسين. أعقب هذه الفترة غزو النورمنديين لأيرلندا (١١٦٩-١٥٣٥م) حيث سيطروا أولاً على ساحلها الجنوبي الشرقي، ثم على كل أراضيها بحلول عام ١٣٠٠م، ولكن سرعان ما بدأ النورمنديون يذوبون كسابقهِم في المجتمع الأيرلندي، رغم القوانين التي كانت تمنعهم من ذلك. كان ملوك إنجلترا يحاولون طيلة هذه المدة بسط نفوذهم على أيرلندا، ولم ينجحوا في ذلك، إلا في عام ١٥٤٢م عندما أعلن البرلمان في دبلن، هنري الثامن ملك إنجلترا ملكاً على أيرلندا. وكان هنري في نزاع مع البابا يحاول بسط نفوذه على الكنيسة في أيرلندا، ويحاول أيضاً كسب الأسر الكبيرة ذات النفوذ إلى جانبه بالسماح لهم بحكم أراضيهم هناك. ولكن هذه السياسة لم تستمر إذ إن وريثته على العرش، ابنته الملكة ماري، رأت أن أفضل وسيلة لإقناع أيرلندا هي إقامة مستوطنات للإنجليز هناك. وواصلت أختها الملكة إليزابيث هذه السياسة ذاتها، وزادت عليها تشدداً ضد الكاثوليك الأيرلنديين، الأمر الذي أوجد فيهم روحاً قومية معادية للإنجليز. ولا غرو إذن أن شهدت فترتها اندلاع عدة ثورات ضدها، ولكنها أخمدت، ومثال ذلك

الثورة التي قام بها أونيل وآخر في التسعينيات من القرن السادس عشر. ولكن سياسة إقامة المستوطنات الإنجليزية استمرت وبدأت تثير حفيظة ومخاوف ملاك الأراضي الكاثوليك في أيرلندا الذين كانوا يخشون مصادرة أراضيهم لإقامة المستوطنات والمزارع الإنجليزية عليها. وكذلك كانوا يخشون الاضطهاد الديني، ولكل ذلك ثار الأيرلنديون في عام ١٦٤١م ثورة شملت كل البلاد، واستمرت لمدة عشر سنوات. وكان هدف الثورة هو الاستقلال بالرغم من التمويهات التي كان يطلقها زعماؤها من أنهم موالون للملك، وأنهم لا يريدون شيئاً غير الحرية الدينية. وقد استمرت هذه الثورة حتى عهد أوليفر كرومويل، فأخمدها بقسوة شديدة، وتفرق قادتها بين مقتول ومنفي وهارب إلى فرنسا وأسبانيا. وضاق الحال بسكان أيرلندا بعد الثورة. وحلاً لمشكلة أيرلندا قسم كرومويل أراضي الملاك الأيرلنديين الكبار بين جنده والمساندين له. وبالرغم من أن هذا الحل قد أضعف من قوة أولئك الملاك، إلا أنه لم يكن حلاً ناجحاً، ولكن الحكومة استمرت في سياستها الرامية إلى إضعافهم بإصدار القوانين ضدهم. وكان غرض الحكومة الأكبر في الواقع هو إزالة الديانة الكاثوليكية من أيرلندا، فجاءت قوانينها لتمنع الكاثوليك من أن ينتخبوا أو ينتخبوا للبرلمان، أو يكونوا أعضاء في الحكومة الإقليمية أو يعملوا في دواوينها أو يشتغلوا بمهنة المحاماة أو يصبحوا ضباطاً في الجيش، أو يشتروا الأرض، بل أن يدرسوا في المدارس. وقد نتج عن تلك الإجراءات كلها تمكن وازدهار فئة البروتستانت في أيرلندا، وازدياد مساندتهم للحكومة، خصوصاً وأنها - أي حكومة لندن - ظلت مسيطرة على البرلمان الأيرلندي وعلى التجارة الأيرلندية.

لم يكن أمام بعض الأيرلنديين الغاضبين إلا الدعوة إلى وحدة كل الأيرلنديين - بغض النظر عن دينهم - بغرض الوقوف أمام التسلط البريطاني عليهم. وقد بلغت تلك الدعوة ذروتها عندما حاولوا تحت قيادة تيبوبولد تون، وبمساعدة فرنسا، إقامة جمهورية أيرلندية، ولكن حكومة بريطانيا قضت على هذه المحاولة في عام 1798م. حاولت الحكومة البريطانية حل المسألة الأيرلندية بخلق وحدة بين أيرلندا وبريطانيا، وقد تم لها ذلك في عام 1801م، بعد أن وعدت بإعطاء الكاثوليك حقوقهم كاملة غير منقوصة. والواقع أن هذا الاتحاد لم يفد إلا إقليم Ulster البروتستانتي، إذ إن بقية أيرلندا ظلت تعاني من ضيق اقتصادي، كما ظلت حقوق الكاثوليك مهدرة، لذلك ظلوا على مطالبتهم بها، وظلت الحكومة تقمع حركاتهم التي اتسمت بالعنف أحياناً. فمثلاً عندما حاول أوبر اين الثورة في 1848م قمعت الحكومة ثورته ورحلت قادتها إلى تسمانيا في أستراليا. ثم وقعت المجاعة في أيرلندا بسبب المرض الذي أصاب محصول البطاطس غذاء الأهالي الرئيسي، فمات حوالي مليون أيرلندي جوعاً، وهاجر مليون آخر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإلى كندا. وكان اعتقادهم أن بريطانيا وراء كل مآسي أيرلندا، ولذا بدأت حركات أيرلندية سرية في أمريكا، وفي دبلن في أيرلندا الجنوبية للعمل على إقامة جمهورية أيرلندية ولو عن طريق القوة. وبدأ بذلك عهد من العنف والثورات، كان من نتيجته اقتناع الحكومة بضرورة القيام بإصلاحات في أيرلندا، فكانت محاولات لندن إصدار قوانين نجح بعضها جزئياً، وفشل بعضها الآخر. استمرت مطالب الزعماء الأيرلنديين بالحكم الذاتي، فأنشأوا عام 1900م الحزب البرلماني الأيرلندي الذي سانده

معظم الأيرلنديين، ماعدا أهل ألستر البروتستانت الذين كانوا يعارضون مبدأ الحكم الذاتي ويحبذون الوحدة مع إنجلترا. بحلول عام 1914م، كانت الحركة القومية الأيرلندية قد ولدت، وشهدت الساحة الأيرلندية قيام عدة أحزاب سياسية كلها ذات آمال ومرام قومية، كما شهدت نشاطاً متزايداً من أجل الحكم الذاتي. وفي عام 1920م أصدرت الحكومة البريطانية قانون الحكومة الأيرلندية الذي قسم أيرلندا إلى قسمين. غير أن حركة المطالبة بالحكم الذاتي استمرت حتى وصلت مداها في 18 أبريل 1949م يوم أن أعلنت أيرلندا جمهورية مستقلة وذات سيادة ومعترف بها عالمياً. كانت معظم القوى السياسية في هذه الجمهورية الوليدة تريد توحيد أيرلندا بأساليب سلمية، لكن بعضهم كان يرى غير ذلك. كانوا يرون أن الأساليب العنيفة هي الأجدى. واستمر النزاع بين أيرلندا الشمالية والحكومة البريطانية قائماً سعياً للاستقلال التام. في الأول من يناير 1973م، أصبحت أيرلندا عضواً في المجموعة الأوروبية (الاتحاد الأوروبي الآن) وانتعش

اقتصادها في الفترات اللاحقة. وفي عام ١٩٨٥م، وقعت المملكة المتحدة وأيرلندا اتفاقية منحت أيرلندا بموجبها دوراً استشارياً في شؤون أيرلندا الشمالية، إلا أن الوحدويين رفضوا هذه الاتفاقية. تبادل حزبا فاين جايل وفيانا فيل الفوز في الانتخابات وتشكيل الحكومات حتى عام ١٩٩٤م، عندما فاز جون بروتون زعيم حزب فاين جايل فشكل حكومة ائتلافية مع حزب العمال.

تعليقات