هلفسيوس، كلود أدريان (1715 - 1771)
فيلسوف ومفكر سياسي فرنسي. ولد في باريس في أول عهد وصاية دوق اورليان. كان والده أول طبيب للملكة. درس عند اليسوعيين في كوليج لويس لي غران.
كان ما يزال في الكوليج عندما قرأ كتاب «بحث حول ملكة الفهم البشري» لجون لوك الذي احدث «ثورة في الأفكار» في تلك الفترة.
كتب أول اعماله وهو عبارة عن رسائل شعرية بإشراف فولتير. وعندما بلغ الثالثة والعشرين، حصل، بفضل تدخل الملكة، على وظيفة جابي ضرائب، مما أتاح له الانتماء الى تلك الأوليغارشية المالية التي كان لها دور هام في القرن الثامن عشر في فرنسا، وتقول بعض الروايات انه كان يزور خلال جولاته في المقاطعات الفرنسية مونتسكيو في بريد وبوفون في مونبار وفولتير في سيريه.
وفي عام 1751، حدث انعطاف في حياته، فترك وظيفة الجابي ليشتري وظيفة مدير الاستقبالات عند الملكة. وفي الفترة نفسها تزوج الآنسة لينيوفيل ثم استقر في ارضه في الفوري (Vore).
لكن عبقريته لم تتفجر الا في عام 1758، عندما خرج من بيته «غاضباً» يحمل في يده كتاباً ويصرخ بصوت عال: «انا ذاهب الى الملكة لكي اعرض عليها اشياء جميلة كتبها مدير استقبالاتها».
وهذا الكتاب كان بعنوان «عن الفكر». ظهر في شهر آب / اغسطس من عام 1758 بعد ان حصل
على موافقة هيئة الرقابة. لكن فرنسا التي كانت تمر آنذاك بأزمة عميقة سببها الصراع بين الكنيسة والبرلمان ، وقفت من الكتاب موقفاً متشدداً ، فاتهم صاحبه بالإلحاد والمادية ، وأدين الكتاب من قبل مجلس الدولة والبرلمان وجامعة السوربون ومطران باريس والبابا ، مما اعطاه شهرة ونجاحاً لم يكن يحلم بهما من قبل .
ومنذ ذلك الحين اصبح هلفسيوس يعرف من العامة والخاصة بصاحب كتاب « عن الفكر » . ثم قام بجولة الى انكلترا والمانيا مكلفاً بمهمة سياسية لدى فريدريك الثاني ، لكن ذلك لم يمنعه من متابعة نشاطه الفكري . فكتب كتاباً آخر بعنوان « عن الانسان » وأهداه الى فريدريك الثاني وشارك في كتابة الموسوعة التي كانت تصدر في ذلك الحين .
ويعتمد فكر هلفسيوس على مبدأ المنفعة كأساس لإقامة الأخلاق على أسس علمية . فالإنسان بنظره جسم مادي خالص والحكم على حسن اعماله أو سوئها يرتبط ارتباطاً مباشراً بانعكاس هذه الأعمال على سعادة البشر ورفاهيتهم . انطلاقاً من هذا المفهوم كان هلفسيوس يرى ان الوسيلة الوحيدة لإنشاء مواطنين صالحين هو في توحيد المصالح الخاصة والعامة معاً . وان وظيفة الحكومة الرئيسية هي في رسم الطريق المؤدي الى الرفاهية ، وازالة العقبات التي تمنع تحقيقها . ولهذا كان يطالب بمنح الثقة للدولة كي تقوم بهذه المهمة . اما الحكومة القادرة على ذلك فهي الحكومة التمثيلية . وكان هلفسيوس يحذر من الخلط بين الحكومة التمثيلية والحكومة الديموقراطية ، كما كان يقدس الملكية ويرى أن من لا يملك لا وطن له . من هنا يأتي اقتراحه بإقامة نظام رأسمالي لا مركزي من نمط اتحادي يرتكز على تقسيم فرنسا الى 30 مقاطعة ، لكل منها تشريعها الخاص وشرطتها الخاصة وجهازها القضائي الخاص بها .
وختاماً ، يمكن القول إنه بمقدار ما كانت افكار هلفسيوس « تجديدية » على الصعيد الفلسفي وذات أثر كبير في التيارات المادية اللاحقة بما فيها الماركسية ،
بمقدار ما كانت هذه الأفكار محافظة في مجال السياسة ، وليس مستبعداً ان يكون انتماؤه الطبقي قد لعب دوراً في ذلك .