ما الهدنة وبماذا تختلف عن الصلح

 





الهدنة

L'armistice

الهدنة هي توقيف دائم أو مؤقت للعمليات الحربية بواسطة اتفاق ذي صفة تعاقدية يتم بين مفوضين عن الدولتين المتحاربتين .

والصفتان الرئيسيتان اللتان تميزان الهدنة هما : (1) أن الهدنة اتفاق سياسي رغم أن توقيعه يكون غالباً من القادة العسكريين ( على مستوى الجنرالات او الضباط الكبار في القيادة العامة لكلا الطرفين كرؤساء الأركان العامة مثلاً ) وذلك نظراً لأهميته السياسية . (۲) أن الهدنة لا تعتبر إنهاء الحالة الحرب بين الدولتين وإن تقتصر على توقيف العمليات الحربية بصورة دائمة أو موقتة .

وتخضع الهدنة لأحكام القانون الدولي ، فقد نظمتها لائحة الحرب البرية المرفقة بمعاهدة لاهاي الرابعة لعام ۱۹۰۷ ( المواد من ٣٦ - ٤١ ) وبالتالي فإن هنالك التزامات دولية تقع على عاتق الطرفين الموقعين على اتفاقية الهدنة . ومن جهة أخرى تنفذ اتفاقية الهدنة بإشراف لجنة دولية للتأكد من ان الفريقين المتعاقدين يقومان بتنفيذ نصوص الاتفاقية . وفي أغلب الحالات التي يكون فيها عقد الهدنة بناء

على مبادرة من دولة ثالثة أو كان الخلاف الدولي الواقع بين الدولتين المتحاربتين قد بحث في الأمم المتحدة ، فإن المنظمة الدولية تشكل لجنة أو هيئة المراقبة تنفيذ الهدنة .

ويشترط ان تعقد الهدنة كتابياً بين الطرفين ، ولذلك فهي تختلف عن الاستسلام الذي يتم بين قادة وحدتين عسكريتين ( انظر الاستسلام ) ويجب ان تكون الهدنة عامة ، لذلك فإن الهدنة الجزئية التي تقتصر على بعض القوات أو الهدنة المحلية التي توقف القتال في مواقع معينة - رغم النص على امكان اتخاذهما في لائحة الحرب البرية - فهما لا تعتبران في مستوى الهدنة العامة من حيث شروطها وآثارها ومضمونها السياسي .

كما يجب اعلان الهدنة وتبليغها إلى القوات المتحاربة للطرفين لتتوقف عن العمليات الحربية لمجرد تبلغها الاعلان ، أو في الوقت المحدد في الاتفاقية . واذا نصت الاتفاقية على ضرورة امتناع الطرفين المتعاقدين عن بعض الأعمال كتدعيم المواقع والتحصينات وسوى ذلك من الأعمال التي تقوي مركز الطرف الذي يقوم بها ، فإن القيام بهذه الأعمال يعتبر مخالفة دولية .

وتترتب على الهدنة ، بمجرد دخولها حيز التنفيذ ، آثار هامة هي التالية (1) يجب أن يتوقف كل طرف عن أي عمل قتالي ، هجومياً كان ام دفاعيا ، كما يعتبر أي احتلال جديد للأراضي باطلا . (۲) تبقى قواعد الحرب مطبقة بين الطرفين وفي علاقاتهما مع الدول الحيادية . (۳) قد تتضمن الاتفاقية أحكاماً تتعلق بإيجاد مناطق مجردة او انسحاب قوات أحد الطرفين او كليهما من بعض المناطق المحتلة ، ولا تعتبر هذه الشروط تغييرا في الوضع القانوني لكل من الطرفين ، وإنما مجرد تدابير احترازية للفصل بين القوات ومنع الاحتكاك بينهما . (٤) يجوز لكل من الطرفين العودة الى القتال بعد إخطار الطرف الثاني ولجنة مراقبة الهدنة إذا لم يتوصل الفريقان الى اتفاق حول الصلح أو اذا انتهى الأجل المحدد في الاتفاقية .

وقد شهدت نهاية الحربين العالميتين الأولى والثانية

أشكالاً جديدة من اتفاقيات الهدنة التي تتضمن شروطاً تشبه شروط الاستسلام، وذلك حينما يكون أحد الطرفين مغلوباً في الحرب بصورة بينة بحيث تكون اتفاقية الهدنة - الاستسلام armistice-capitulation - كما يذهب البعض الى تسميتها - مقدمة لشروط الصلح، أو بديلاً عن معاهدة الصلح. ومن أمثلة هذه الاتفاقيات الهدنة الفرنسية الألمانية الموقعة في ٢٢ حزيران - يونيو ١٩٤٠ والتي تتضمن أحكاماً تتعلق بتسليم اللاجئين السياسيين لسلطات الاحتلال الألمانية والهدنة المعقودة بين الحلفاء وايطاليا في ٣ أيلول - سبتمبر ١٩٤٣ والمتضمنة استسلام القوات الايطالية والتزام السلطات الايطالية بتسليم موسوليني ومجرمي الحرب الايطاليين.

الهدنة - كما رأينا - هي اتفاق يتم بين الفريقين المتحاربين على وقف القتال والأعمال الحربية بصورة مؤقتة، وهو على خلاف وقف القتال اتفاق عسكري بنصوصه ولكن سياسي بأهدافه، لذا فإنه يخرج عن اختصاص القادة العسكريين، فلا يملك حق عقد الهدنة سوى حكومات الدول المتحاربة أو ممثلوها الدبلوماسيون، أو قادة الجيوش اذ فوضتهم حكوماتهم بذلك. ومهما يكن من أمر فإن الهدنة لا تصبح نافذة وملزمة إلا اذا أقرتها حكومتا الطرفين.

وقد تعرضت اتفاقية لاهاي للحرب البرية عام ١٩٠٧ للهدنة، فوضعت احكاماً لتنظيمها ( المواد من ٣٦ - ٤١ ) وبمقتضى هذه الأحكام قد تكون الهدنة عامة تشمل وقف جميع العمليات الحربية، وعلى جميع الجبهات والميادين والمناطق، وقد تكون محلية لا تشمل سوى منطقة أو مناطق معينة، أو جزئية قاصرة على بعض القوات دون بعضها الآخر ؛ وقد يحدد لها أجل لانتهائها، يكون لكل فريق بعد هذا الأجل حق العودة الى استئناف القتال ان لم يتفقا على الصلح ؛ وقد لا يحدد لها اجل ، وعندئذ يحق لكل من طرفيها ان يستأنف القتال عندما يشاء على ان يخطر الطرف الآخر في الوقت المحدد في شروط الهدنة

وعلى كل من الفريقين ان يبلغ قواته خبر عقد

الهدنة ، وان يوقف القتال فور هذا الابلاغ او في الوقت الذي حدده اتفاق الهدنة ؛ وبمجرد وضع اتفاق الهدنة موضع التنفيذ لا يحق لأي من القوات المتحاربة القيام بأية عمليات قتالية هجومية او دفاعية او احتلال او غيره ، ولكن ذلك لا يمنع الطرفين من القيام بما يريانه من استعدادات وراء خطوط القتال ، من حشد القطعات ؛ وتحصين الجبهة ، وإعداد الذخائر والمؤن وغير ذلك مما لم يكن بمقدور الخصم أن يمنعه من القيام به أثناء القتال .

إلا أنه يمكن النص على تحريم هذه الأعمال ايضاً في اتفاق الهدنة ، وعندئذ يكون القيام بها مخالفة دولية لأحكام الهدنة .

والإخلال بشروط الهدنة من قبل أي من الطرفين يعطي الطرف الآخر حق نقضها ؛ واذا كان هذا الإخلال فردياً ، فللطرف الآخر ان يطلب معاقبة المسؤولين عن هذا الخرق ودفع التعويضات عن الأضرار التي نتجت عنه .

ومهما طال أمد الهدنة أو قصر ، فإنها لا تعني انتهاء حالة الحرب قانوناً ، لأن هذه الحالة لا تنتهي إلا بإبرام الصلح ؛ وعلى هذا فإن حالة الحرب تظل قائمة رغم الهدنة بجميع آثارها عدا الإلزام بالكف عن القتال ؛ ولا يتغير الوضع اذا مددت الهدنة او تعهد الطرفان بعدم استئناف القتال ؛ إذ انهما اذا لم يتوصلا الى عقد الصلح ، يبقى الاتصال السلمي مقطوعاً وقواعد الحرب مطبقة ؛ الأمر الذي يسمح لكل منهما بممارسة الحقوق الناجمة عن حالة الحرب فيما عدا اعمال القتل ، كتفتيش السفن ، ومصادرة اموال العدو ، وضبط المهربات والاستمرار في تنفيذ الحصار البحري ، ما لم تكن شروط الهدنة تنص على عكس ذلك .

واذا استمر القتال نتيجة خطأ في تبليغ اعلان الهدنة او فهمه وجب اعادة الحال الى ما كانت عليه ، فيطلق سراح الأسرى ، وتطلق السفن الحربية ، إذا تم الاسر خلال المدة اللاحقة لنفاذ اتفاق الهدنة .

وتعقد الهدنة بصورة خطية ، وذلك لخطورتها ، ولضرورة تسجيل احكامها وشروطها .

تعليقات