نبذة تاريخية
في القرن الأول قبل الميلاد ، عندما غزا يوليوس قيصر الأراضي التي تشكل اليوم هولندا وبلجيكا ، كان هناك سكان من أصول جرمانية وسالتية . وهم : البلج ( أو البلجيكيون ) ، والباتاف والفريزون أخضع الرومان البلج ، ثم تحالفوا مع الباتاف ، ولكنهم لم يتوصلوا أبداً إلى فرض سيطرتهم بالكامل على الفريزون الذين كانوا يعيشون بالقرب من البحر والذين اعتادوا الصراع مع البحر ، فسهل عليهم الصراع مع الرومان . ولم يخضعوا لتأثير أجنبي إلا في القرن الثامن عندما دخلتهم الأفكار المسيحية فاعتنقوها .
في القرون الوسطى ، وبفضل موقعهم على بحر الشمال وعند ثلاثة أنهر تخترق بلادهم ، عرف السكان ازدهاراً تجارياً هاماً ، وبدأت تنمو مدينتا
امستردام وروتردام . وفي القرن الخامس عشر ، خضعت البلاد لسيطرة دوق دو بورغون ، ثم لملوك إسبانيا . وعندما تخلى شارلكان عن العرش ، عام ١٥٥٥ ، أصبحت هولندا من ممتلكات ابنه فيليب الثاني الذي فرض على أتباعه خضوعاً مطلقاً للعرش الإسباني وللكنيسة الكاثوليكية الرومانية . فانتفض الهولنديون في وجه الملك . لكن الانتفاضة الأهم كانت لدوافع دينية
في النصف الأول من القرن السادس عشر ، انطلقت حركة الإصلاح الديني من ألمانيا وعلى يد مارتن لوثر ، وفي هولندا ، بشر إيراسم أيضاً بضرورة إصلاح الكنيسة ، علما انه لم يعتنق البروتستانتية . لكن فيليب الثاني لم يكن يفصل بين الخضوع للتاج الإسباني والخضوع للكنيسة الكاثوليكية . وعلى قدر ما كانت الأفكار الإصلاحية تنتشر كان القمع الإسباني يعنف ، حتى ان المجلس الحكومي المعاون الفيليب الثاني ( يدعوه الهولنديون مجلس الدم ( أصدر قرارا يعطي الحق بإعدام كل هولندي دون محاكمة مسبقة. وفي عام ١٥٦٨ ، قاد غيوم دورانج إنتفاضة الهولنديين التي كانت بداية الطريق التي أوصلت إلى ولادة الجمهورية النيرلندية ( الهولندية ) .
وفي عام ١٥٧٩ ، اختارت المقاطعات الجنوبية من البلاد ان تعقد صلحاً مع اسبانيا وان تبقى كاثوليكية المعتقد الديني . أما المقاطعات الشمالية التي كانت قد أسست فيما بينها اتحاد أوترخت ، فقد اختارت استمرار المعارك حتى الاستقلال الكامل . فكان لها الاستقلال عام ١٦٤٨ ، حيث بدأ العصر الذهبي لهولندا
ففي هذا العصر ، انطلق البحارة النير لنديون ( الهولنديون ) بحثاً عن طرق بحرية جديدة لتجارتهم ، واعطوا الجمهوريتهم الصغيرة امبراطورية واسعة الارجاء . وقد حملت مراكب شركتهم إلى البلاد الأفاوية والبن ومختلف المنتوجات الثمينة من
بلاد الهند . وقد كانت هذه التجارة في أساس اغناء المدن الهولندية الساحلية. ونالت « الشركة الهولندية للهند الشرقية » ( تأسست عام ١٦٠٢ ) امتياز الاتجار شرقي رأس الرجاء الصالح وغربي مضيق ماجلان أما « الشركة الهولندية للهند الغربية » ( تأسست بعد الأولى بعشرين سنة ) فقد نافست القوة الإسبانية في القارة الأمريكية
وأسس الهولنديون عدة مستعمرات ، أهمها مستعمرة الهند الشرقية الهولندية ، وأصبحوا أسياد الأرخبيل الأندونيسي الذي حكموه من باتافيا ( جاكرتا ) - إسم إحدى القبائل الثلاث الأساسية في هولندا - ، ومستعمرة فورموزا ، وسيلان ، ومالاكا وتاسمانيا ( جزيرة بالقرب من شاطيء أوستراليا ) . وكان قد تم اكتشاف ، أو استغلال عدد من هذه الممتلكات لحساب شركة الهند الشرقية الهولندية . وعلى رأس الذين قاموا بهذه الاكتشافات البحار أبل جانسزون تاسمان الذي غادر ، عام ١٦٤٢ ، باتافيا ، في رحلة استكشافية في المحيط الهادىء . فاكتشف زيلندا الجديدة والجزيرة التي حملت فيما بعد اسمه . أما شركة الهند الغربية الهولندية فقد أسست مركزاً لها على الشاطيء الشمالي من امريكا الجنوبية ، في غويانا الهولندية ( سورينام الحالية ) ، كما استعمرت جزر كرواسايو، وأوروبا وبونيرا بالقرب من شواطيء أمريكا الجنوبية ، وسان اوستاش ، وسابا ، وسان مارتن جنوبي بورتوريكو . وكانت هذه الجزر الست تشكل جزر الأنتيل الهولندية
وفي عام ١٦٠٩ ، كان هنري هدسون ، ملاح إنكليزي عمل في خدمة شركة الهند الغربية الهولندية ، قد اكتشف خليج هدسون ، فأسس الهولنديون في المنطقة مراكز تجارية ، وأعطوا المستعمراتهم هناك ( وكانت تتضمن اجزاء من ولايات کونیكتيكوت ، وديليوار ونيويورك الأمريكية ) إسم هولندا الجديدة ، وتمسكوا بها حتى عام ١٦٦٤ حينما انتزعها الإنكليز من هولندا
واليوم لم يعد لهولندا امبراطوريتها الاستعمارية السابقة. فجزر الهند الشرقية الهولندية أصبحت مستقلة منذ ١٩٤٩ ، وأصبح اسمها أندونيسيا
وجزر الأنتيل الهولندية أصبحت ، منذ ١٩٥٤ ، ذات حكم ذاتي من ضمن المملكة الهولندية ، في حين نالت سورينام استقلالها عام ١٩٧٦ . وكانت مساهمة هولندا في التراث البشري ( في عصرها الذهبي ، القرن السادس عشر والسابع عشر ) كبيرة وهامة
فبالاضافة الى العديد من العلماء الهولنديين في مختلف ميادين العلوم الطبيعية ، يكفي ذكر هوغو غروسيوس ، مؤلف کتاب « قانون الحرب والسلم » الذي استحق عليه لقب « أبي القانون والأشخاص » ، واستحقت لاهاي بفضله ، بعد قرون ، لتكون مقر محكمة العدل الدولية ؛ والفيلسوف باروخ سبينوزا ، والرسام الكبير رامبرندت ، وسواهم
وبدأ هذا العصر الذهبي بالأفول مع الحروب التي خاضتها هولندا ضد انكلترا حيناً وفرنسا أحياناً في أواخر القرن السابع عشر . ولكن ، عندما اصبح غيوم الثالث دورانج ملكاً على إنكلترا ، تحسنت العلاقات بين البلدين، وتبعتها فترة من السلام ..
وفي عام ١٧٩٤ ، غزت جيوش الثورة الفرنسية البلاد التي ضمها نابوليون بونابرت الى حكمه بعد سبع سنوات. وعلى أثر سقوط نابوليون (۱۸۱۵) ، أصبحت هولندا مملكة تضم بلجيكا ( حتى ۱۸۳۱ ) ولوكسمبورغ ( حتى ۱۸۳۹ ) .
وفي حين كانت اوروبا تعيش اختمارات ثورية ( خاصة عام ١٨٤٨ ) ، تحولت هولندا الى ملكية دستورية ديمقراطية ، وعرفت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ازدهاراً واسعاً . ولم تعكر صفو هذا الازدهار الحرب العالمية الأولى ، إذ تمكنت هولندا من اجتياز عقباتها بفضل سياسة الحياد التي اتبعتها
لكن هتلر ، في الحرب العالمية الثانية ، لم يوفرها ، وقصفت طائراته مدينة روتردام في ١٤ أيار - مايو ١٩٤٠ ، وقضت على %٤٠% من منشآت المدينة ومبانيها . وبعد ستة أيام غزت الجيوش الألمانية البلاد واضطرتها على الاستسلام ، ولجأت الملكة فيلهلمين ، وأفراد الأسرة المالكة والحكومة إلى لندن . أما السفن الهولندية فاستعملها الألمان في
الأطلسي ، واليابانيون في الهادىء
لكن ، ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى أعاد الهولنديون بناء اقتصادهم بسرعة مذهلة . وفي عام ١٩٤٨ ، شكلت هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ اتحاداً جمركياً ، البنولوكس . وفي عام ١٩٥٩ ، بدأ العمل بالسوق الأوروبية المشتركة ، وكانت بلدان البنولوكس ، والمانيا الاتحادية ، وايطاليا وفرنسا في أساسه . وقد أتاحت هذه السوق لهولندا بأن تشارك بفعالية في التوسع الاقتصادي الناتج عن زيادة المبادلات بين الدول الست الأعضاء
يهتم الهولنديون بالقضايا الدولية ( أحداث التشيلي ، ناميبيا ، إعادة الديمقراطية في البرتغال وإسبانيا واليونان ، الحلف الأطلسي ، مسألة المنشقين السوفييت .. ) كاهتمامهم تقريباً بالقضايا الداخلية . وهم يتميزون بذلك عن باقي الشعوب .. ويعيد الدارسون هذه الميزة إلى الاحساس بالمسؤولية الانسانية التي تركز عليها المعتقدات الكالفينية ، والتي اتسعت حتى شملت الكاثوليك وغيرهم من الهولنديين. ومن الأحداث التي شغلت الرأي العام الهولندي ، في السنوات الأخيرة . زواج الأميرة بياتريكس من ألماني هو كلاوس فون أمسبرغ ( عام ١٩٦٦ ) ؛ وتخلي الملكة جوليانا عن العرش المصلحة ابنتها (۱۹۸۰) حيث شهدت البلاد ، يوم تتويج الملكة الجديدة، اضطرابات أحدثتها مجموعات لها مطالب شتى ؛ وإعادة قضايا جرائم الحرب ( في أواسط السبعينات ( التي طالت بعض الشخصيات ، منهم جوزف لانس ، أمين عام منظمة معاهدة حلف الأطلسي ، الذي أثيرت قضية انتمائه إلى الحركية الوطنية الاشتراكية عام ۱۹۳۳ ( وكان هذا الحزب شرعيا في البلاد في تلك السنة ) ؛ حصول سورينام ( غويانا الهولندية سابقاً ) على استقلالها عام ١٩٧٦ وما استتبع ذلك من عودة العديدين من هناك الى هولندا . وعلى الرغم مما أثارت هذه المسائل من تململ في الرأي العام وصل الى انقسامه حولها ، استمرت الديمقراطية في هولندا لتكون أكثر ديمقراطيات أوروبا الغربية انفتاحاً .