لماذا الليبرالي الرأسمالي ضد الحريات الفردية ولماذا تهمل الليبرالية حقوق المجتمع بحجة حق الفرد

 






ليبيرالية

Liberalism

Liberalisme

مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي. ففي الميدان السياسي وعلى النطاق الفردي، يؤكد هذا المذهب على القبول بأفكار الغير وأفعاله حتى ولو كانت متعارضة مع أفكار المذهب وأفعاله شرط المعاملة بالمثل. وعلى النطاق الجماعي، فإن الليبرالية هي النظام السياسي المبني على التعددية الأيديولوجية والتنظيمية الحزبية والثقافية التي لا يضمنها، حسب ذلك المذهب، سوى النظام البرلماني الديمقراطي الذي يفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويؤمن بالحريات الشخصية والعامة بما في ذلك حرية المعتقد الديني.


والواقع أن الليبرالية اكتسبت مفاهيم مختلفة مع مرور الزمن. فعلى الرغم من تشديد الليبراليين الرأسماليين على أهمية الحرية، فإنهم في الغالب يتصرفون ضد حريات الأفراد والشعوب في علاقاتهم الدولية لارتباط الظاهرة الرأسمالية بالإمبريالية وما يتضمن ذلك من استغلال واستعباد للشعوب الخاضعة للاستعمار. كما أن الليبرالية تجعل مصلحة الجماعة تحت شعار اجتماعها بمصالح الأفراد. إلا أن...

ذلك كله لا ينفي وجود اتجاهات ديمقراطية ضمن التيار الليبرالي وميل البعض منهم نحو الإصلاح التدريجي.

وهنا لا بد من التنبيه إلى أن العديد من الأنظمة الديكتاتورية، خاصة في العالم الثالث، استغلت تصرفات الرأسماليين تلك لتشويه مفهوم الحرية وشكلها السياسي المتمثل في الديمقراطية، تحت شعارات تقدمية، تؤكد على الخصوصية المحلية التي تتطلب، حسب تلك الأنظمة، نوعاً خاصاً ومتميزاً من الديمقراطية، لتبقي في الواقع تفردها بالحكم واستمرارها الدائم فيه وتسلطها على رقاب شعوبها. وبكلمة مختصرة، لتمارس الديكتاتورية باسم الديمقراطية الخاصة أو ما شابه ذلك من المسميات.

أما في الميدان الاقتصادي، فإن الليبرالية تأخذ مبادئها من المدرسة الطبيعية (الفيزيوقراطية) التي تؤكد على أنه يوجد على النطاق الاقتصادي نظام طبيعي يتحقق بواسطة مبادرات الفرد والإنسان الاقتصادي (Homo Oeconomicus) الذي ينحو بشكل طبيعي نحو تلبية أقصى ما يمكن من الحاجات بأقل ما يمكن من الجهود. وفي مفهوم الليبراليين، فإن مصالح الأفراد تتطابق عموماً مع مصلحة المجتمع، لأن القوانين الاقتصادية الطبيعية، في نظرها، تؤدي إلى إحداث التوازن بين الأسعار والإنتاج والمداخيل. أي إلى تحقيق التوازن الاقتصادي بشكل طبيعي. وبالتالي فإن تحقيق الحرية الاقتصادية يؤدي إلى تحقيق النظام الطبيعي الذي أراده الله للبشرية.

والليبرالية الاقتصادية التي تقرن دوماً بالليبرالية السياسية، ولدت في القرن الثامن عشر حيث نادى بها بشكل خاص كل من آدم سميث وجان باتيست ساي وديفيد ريكاردو... ثم ازدهرت في القرن التاسع عشر على أيدي نخبة من الاقتصاديين مثل جون ستيوارت...

ميل وجان باتيست ساي وذلك بعد نجاح وازدهار الثورة الصناعية. ففي ذلك الوقت أصبحت الليبرالية العقيدة الرسمية للدول التي دخلت مرحلة التطور الصناعي. وتم تحديد آنذاك النقاط الأساسية لذلك المذهب الاقتصادي بالتأكيد على حرية إقامة المنشآت وحرية الاستثمارات، وبأنّ البقاء بين العرض والطلب في السوق هو الذي يحدد السعر، وهو ما يعرف بقانون العرض والطلب الذي يؤدي تعطيله، في نظر المدرسة الليبرالية، إلى إحداث أزمات خطيرة، ويعيق إقامة المجتمع الطبيعي المتوازن. إذ إن السلع في النظام الليبرالي يتم تبادلها بسلع أخرى، أما أزمات فائض الإنتاج فهي ليست إلا عوارض مؤقتة. كما أن حرية عقد العمل، في رأيها، توازن من الناحية القانونية بين رب العمل والعامل، وبذلك لا يمكن الحديث عن استغلال الأول للثاني، ما دام العامل هو الذي وقع بعيد إرادته عقد العمل.

كما تؤكد الليبرالية الاقتصادية أيضاً على أن عدم المساواة الاجتماعية هي أمر طبيعي بل ضروري وحتمي، وأن البطالة ليست إلا مرضا عابراً يزول عندما يتحقق الانسجام الطبيعي في المجتمع.

إلا أن الفكرة الرئيسية التي تدور حولها بقية أفكار المدرسة الليبرالية، والمتمثلة في أن حرية العوامل الاقتصادية في اختيار المبادرات والاستثمارات التي ترغب بها هي التي تؤدي إلى تحقيق النظام الطبيعي والتوازن العام في المجتمع، أخذت تتراجع شيئاً فشيئاً كلما ازداد التركيز الصناعي الذي أدى إلى الأزمات الاقتصادية. ومن هنا ولدت المدرسة الليبرالية الجديدة بزعامة والتر ليبمان (W. Lippmann). ومع أن تلك المدرسة الجديدة تؤكد على الملكية الفردية وحرية المنافسة، فإنها أدخلت عنصراً جديداً هو أن حرية المبادرات الفردية وحرية الإنسان الاقتصادي لا تؤدي بشكل آلي إلى تحقيق التوازن الطبيعي.


إلى إقامة النظام الطبيعي، بل أصبحت الدولة مضطرة لأن تضع الإطار القانوني الذي يضمن تطبيق البلديات الفردية ضمن نطاق الشاشة التي جهدها القانون. أي وضع قوانين تمنع قيام الاحتكارات الكبرى. وهكذا فإن البيرالية الجديدة تجعل من الدولة حَكَماً بين جميع العوامل والأطراف الاقتصادية. ولكن الواقع أثبت أن الدولة لا يمكن أن تكتفي بدور الحكم، إذ إن تشابك النظام الرأسمالي، وحدة الطلب العمالية ومقتضيات اقتصاد الحرب والإعمار الخ... حتمت عليها أن تكون هي المحرك والمنظم لكل النشاط الاقتصادي. ذلك أن الدول الرأسمالية والإمبريالية، نفسها يتطور بعضها مع بعض في رسم الخطوط الرئيسية العامة لاقتصادياتها آخذة بعين الاعتبار التطورات الحاصلة على النطاق العالمي بما في ذلك التطورات الحاصلة في الدول النامية التي أصبحت تحكم بدرجات متفاوتة في ثرواتها الطبيعية وموادها الأولية. وبالتالي لم يعد أمام القطاع الخاص، رغم قوته، إلا العمل ضمن الحدود المتفق عليها دولياً، وإن كان في بعض الأحيان يتجاوز تلك الحدود ولكن بالشكل الذي لا يؤثر على المصالح العامة للدول الرأسمالية.

وعليه يمكن القول، على ضوء هذا، إن البيرالية أو حتى البيرالية الجديدة لم تعد في الواقع إلا شعاراً يذكرنا بالسياسات الاقتصادية التي كانت متبعة في القرن الثامن عشر وخاصة التاسع عشر وذلك على الرغم من أن بعض السياسيين الغربيين قد حاولوا استغلال الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها المجتمعات الصناعية في السبعينات ومطلع الثمانينات لإعادة الاعتبار للبيرالية بوصفها الدواء السحري، الذي يعيد الحيوية إلى الغرب. وما العلاجات التي تنادي بها تاتشر في بريطانيا وريغان في الولايات المتحدة ويعرضها الأحزاب السياسية في فرنسا سوى مظهر من مظاهر العودة والحنين إلى البيرالي




تعليقات