النازية والصهيونية
كانت الفكرة الرئيسية المشتركة بين الحركة الصهيونية وتعاليم العنصريين هي ان العالم يشتمل على أمم مختلفة في حالة نزاع دائم ، وان الأمم الراقية يجب ان تسيطر على مصائر الأمم الأخرى وتهيمن على ثرواتها وبلدانها . وقد التقت الصهيونية ، وجوهرها عقيدة الشعب المختار » ، بالنازية ، وجوهرها عقيدة الشعب الألماني الآري المتفوق » ، كما التقت الصهيونية ، فيما بعد ، بنزعتها الأصيلة في الاستعمار والتوسع والهيمنة ، بالامبريالية ، بنزعتها الأصلية في السيطرة وتسخير الشعوب لأغراضها .
والتقت النازية والصهيونية في مجال التنفيذ العملي انطلاقاً من سياسة الأولى القائمة على ضرورة التخلص قدر المستطاع من الفئات غير الآرية في المانيا ، وهدف الثانية في استعمار فلسطين وسوق أكبر عدد من اليهود إليها .
رأت الحركة الصهيونية في اليهود الألمان مجالاً رحباً لنشاطاتها ، فنقلت مركز عملها بعد موت هرتزل من فيينا إلى كولن فبرلين . وفي عام ١٨٦٤ نشأت أول حركة يهودية في المانيا تدعو إلى الاستيطان في فلسطين . وقد تم الإعلان عن تأسيس المنظمة الصهيونية في المانيا كجزء من الحركة الصهيونية العالمية في ۱۸۹۷/۱۰/۳۱ في فرانكفورت بزعامة ماكس
بودنهايمر ، ثم اسس هنريخ لو المنظمة الصهيونية في برلين ، وفيها صدرت عام ۱۹۰۲ نشرة بعنوان الأنباء اليهودية : استمرت حتى عام ۱۹۳۸ . ولكن عدد أعضاء المنظمة الصهيونية الألمانية لم يزد حتى عام ۱۹۱۲ على ٨,٤٠٠ عضو معظمهم من أبناء الطبقة الوسطى . وطالب المؤتمر الثالث عشر للمنظمة الصهيونية في المانيا بالهجرة الى فلسطين والامتناع عن الدعوة لنيل الحقوق المدنية في المانيا ، على أساس ان الإقامة في المانيا مؤقتة . .
ساعد القادة النازيون الحركة الصهيونية في مساعيها لتوجيه الهجرة اليهودية الى فلسطين ، وشكل في برلين ( مكتب فلسطين لتنظيم هجرة اليهود الألمان ) ، ولم يعد ممثلو الحركة الصهيونية ( يأتون الى المانيا النازية لإنقاذ اليهود الألمان بل لاختيار الرجال والنساء والشباب المستعدين للذهاب الى فلسطين لكي يصبحوا رواداً ويناضلوا ويحاربوا . . وحظيت سياسة تشجيع اليهود على الهجرة الى فلسطين بتأييد هتلر نفسه ، وأبدت الحركة الصهيونية استعدادها لتحرير المانيا من يهودها ) .
وكان أركان النازية في مقدمة المهتمين بإنجاح المشروع الصهيوني للاستيطان في فلسطين . فقد كتب منظر النازية الأكبر الفريد روزنبرغ عام ١٩٢٧ في كتابه و محاكمة اليهود في العصور المتغيرة ) : ( يجب تقديم العون الفعّال للصهيونية حتى يمكن نقل أكبر عدد ممكن من اليهود الالمان الى فلسطين سنوياً ..
اتخذت العلاقة بين الحركة الصهيونية والنازية شكلها الرسمي بتوقيع الرايخ الألماني والوكالة اليهودية اتفاقية « هعفراه » ( وتعني النقل أو التحويل ) التي سمحت بنقل رؤوس أموال اليهود الألمان المهاجرين الى فلسطين مقابل إلغاء الصهيونية للحصار الاقتصادي الذي فرضه اليهود على البضائع الألمانية بسبب القوانين التي فرضتها المانيا النازية على اليهود الألمان .
وبوصول الحزب النازي بقيادة هتلر الى السلطة في المانيا ( كانون الثاني - يناير ۱۹۳۳ ) بدأ تطبيق سياسة مضايقة اليهود المعارضين للصهيونية من الذين يعتبرون ألمانيا وطنهم ، فوافق مجلس الوزراء الألماني في نيسان ۱۹۳۳ على قانون الخدمة المدنية الذي منع جميع اللااريين ، باستثناء الذين قاتلوا في الجبهة أو خسروا أباً أو ابناً في الحرب العالمية الأولى ، من شغل أي مركز في الخدمة المدنية الاتحادية او التابعة للولاية أو البلدية ، كما منع اليهود المقبولين في الكليات والجامعات من ان يكونوا اعضاء في التنظيمات الطلابية ، ومنع المحررين السياسيين اليهود من حضور المؤتمرات الصحفية الحكومية . وأبعد كذلك جميع القضاة والمحامين اليهود عن العمل في القضاء وفي بروسيا طلب البرلمان من وزير التربية صرف جميع المعلمين اليهود وتحديد عدد الطلبة اليهود في الجامعات والمدارس ، فلا تزيد نسبتهم على واحد في المائة . وفي ميونيخ أعلن مراقب المدارس عدم السماح لأي من أولاد اليهود بدخول المدارس المسيحية كما منع أطباء المدارس اليهودية من معالجة
بلغت عمليات النقل التي حققتها « هعفراه » عام ١٩٣٣ ١,٢٥٤,٩٥٦ ماركاً ، ووصلت في عام ۱۹۳۷ الی ٣١,٤٠٧,٥۰۱ مارك . وجاءت هذه الزيادة بعد مصادقة المؤتمر الصهيوني التاسع عشر على قوانین نورنبرغ (١٩٣٥) .
سمحت السلطات النازية في الوقت ذاته للمنظمة
الصهيونية بإقامة مراكز تدريب مهني وزراعي
للمرشحين للهجرة ، وبتنظيم صفوف لتدريس اللغة
العبرية تحت ادارة روبرت فيلتش . كما سمحت
للصهيونيين الألمان بحضور المؤتمر الصهيوني التاسع
عشر . ووافقت الشرطة السرية الألمانية ( الغستابو )
في بافاريا على أن يرتدي أعضاء إحدى الحركات
وفي ۱۹۳۸/۱۱/۹ نفذ النازيون اضطرابات منظمة أحرقت فيها ممتلكات اليهود الألمان واعتدي عليهم . وكانت النتيجة ان اخذ اليهود من جميع انحاء المانيا يتقدمون بطلبات الهجرة الى مكاتب حركة الريادة الصهيونية » . وقد بلغت نسبة المهاجرين اليهود من المانيا الى فلسطين عام ١٩٣٨ نحو ٥٢٪ من المجموع العام لليهود المهاجرين .. واستمر العمل باتفاقيات الهجرة الصهيونية - النازية على هذا الشكل لمدة سنتين بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية
و عقب بدء الغزو النازي للاتحاد السوفييتي صيف عام ١٩٤١ وجد هتلر أنه لم يعد من الممكن تخليص أوروبا من اليهود بالهجرة . وتبنى ما سمي « الحل النهائي للمشكلة اليهودية ، فأقيمت معسكرات الإبادة الجماعية لتنفيذ هذا الحل
وإزاء هذه السياسة الجديدة للنازيين وجدت
الحركة الصهيونية نفسها أمام اختيارين اثنين ؛ الأول
الغاء اتفاقيات ۱۹۳۸ وإعلان الحرب ضد النازية ،
وهذا يعني التخلي بشكل نهائي عن تأمين هجرة
محدودة للعناصر الصهيونية من أوروبا والتعاون مع
غير اليهود في مواجهة الغزو النازي ، وبالتالي دحر
فلسفة الحركة الصهيونية . والاختيار الثاني هو قبول
السياسة النازية الجديدة ومساعدة السلطات النازية في
تنفيذ خططها بشأن اليهود . واختارت الحركة
الصهيونية الحل الثاني وأبقت باب الاتصال مفتوحاً
وقد استغلت الحركة الصهيونية ممارسات النازية على اليهود في أوروبا - وكانت هي التي ساهمت في تنفيذها - لكسب الرأي العام الأوروبي الى جانبها ، و « لجمع المليارات في شكل تعويضات من الالمان » ، ولتـبرير جرائمها العنصرية ضد الشعب العربي الفلسطيني بحجة إقامة وطن لليهود الذين اضطهدوا
من قبل النازية .
وهكذا شكل التعاون الصهيوني - النازي صورة حية لأخطر حلف شيطاني بين أعتى حركتين عنصريتين في العصر الحديث .