هل ساهم الغرب في تخلف العالم الثالث؟

 








الهوة التكنولوجية والتخلف التكنولوجي

عندما كان العالم يدخل عصر البخار كانت الشعوب المتخلفة ما زالت غارقة تحت سيطرة أوهام القرون الوسطى . وحينما جاء عصر الكهرباء كانت الشعوب المتخلفة قد فاتها الكثير من الثمرات الهائلة التي تجنيها الدول التي سبقتها إلى الحضارة ، وواصلت الدول المتقدمة خطاها بطريقة طبيعية الى التطور الأكبر ، بل الى الثورة الكبرى التي أشرق فجرها على العالم ببداية عصر الذرة وعصر الفضاء

ويرى علماء الاجتماع أن أسباب التخلف التكنولوجي يرجع الى :

١ - الاستعمار الذي أسهم بـأيـديـولـوجـيـاتـه

الرجعية في تشويه الصورة القومية للشعوب المستعمرة مستعيناً في ذلك بالأفكار المعروفة الخاصة برسالة الرجل الأبيض في تمدين الشعوب المتخلفة . والعبء الملقى على عاتقه لإنقاذ هذه الشعوب من مصيرها الحتمي . ولقد أدركت هذه الشعوب الآثار المدمرة للاستعمار على كيانها

٢ - النظريات العنصرية التي سادت الفكر الأوروبي والصهيوني في العصر الحديث . فقد اشتملت هذه النظريات على فكرة جوهرية قوامها أن شعباً من الشعوب ينعم بميزات أسمى من غيره ، وأن هذا السمو يرجع الى خصال حضارية ينفرد بها أبناء هذا الشعب دون غيره من الشعوب . وتنعكس معالم هذا السمو في مظاهر شتى، بعضها قد يكون عبقرية عسكرية ، أو كفاءة فريدة في ميدان التكنولوجيا ، أو سلوكاً خاصاً بعيداً عن العواطف والانفعالات ويدعم أصحاب هذه النظرية العنصرية آراءهم بأن هذا المفهوم يرجع الى مواهب فطرية يفتقر إليها غيرهم من الشعوب المتخلفة

وسخر العنصريون الدراسات الحديثة في علم الانثروبولوجيا وعلم النفس والاجتماع لتشويه الحقائق البشرية وخدمة أهدافهم العدوانية . وكانت النظرة العنصرية الخبيثة الأهداف تصور تلك النظرة على أنها تعبير عن تخلف حضاري كامن في الأمم المتخلفة

ونشأت منذ ذلك الوقت اسطورة الرجل الأبيض وتفوقه ، وأن هذا التفوق يعطي للرجل الأبيض حق الوصاية ، وذلك بدعوى أن حكومات الرجل الأبيض هي عمل حضاري في المقام الأول

ولقد استفادت اسرائيل من التراث الفكري الرجعي الاستعماري لتروج لنفسها عن طريق الإفراط في تمجيد الذات الاسرائيلية والمبالغة في تشويه ملامح الشخصية العربية وإلصاق سمة التخلف الحضاري بها . وتولى غلاة المتعصبين من المفكرين والسياسيين اليهود الذين صار يطلق عليهم اسم الصهاينة الترويج لأسطورة الشعب المختار الذي ينفرد بسمات خاصة تميزه عن سائر البشر .

٣ - التخلف الفطري وهل هو من أسباب التخلف في البلاد النامية ؟ وهل هناك أجناس دنيا وبدائية غير قادرة على العمل لتقدم بلادها ؟ وفي هذا المجال لم يتوان الفكر الغربي عن صياغة نظريات حضارية واجتماعية وسياسية متعددة تهدف جميعاً الى التركيز على التخلف الفطري لشعوب الدول النامية ، وأن التخلف يقع على عاتق أبناء الدول المتخلفة أنفسهم نتيجة قصورهم وأخطائهم .

ويقرر العالم الاجتماعي جونار ميردال في كتابه الدراما الاسيوية ( أن العالم المعاصر يقترب وشيكاً في مواجهة حاسمة بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة ، وسيعجل من هذه المواجهة تعاظم سرعة الثورة العلمية والتكنولوجية في البلاد المتقدمة مما سيباعد الشقة بين المتقدمين والمتخلفين ) .

٤ - التعصب والتحدي الحضاري اللذان تخلقهما الدول المتقدمة لمحاصرة الدول المتخلفة وتضييق الخناق عليها من خلال حملات ثقافية مدروسة لتشويه معالم شخصية هذه الدول ومقوماتها الحضارية . وقد اتخذ التحدي الحضاري من التخلف العلمي والتكنولوجي في الدول المتخلفة الدليل على العجز الفطري لهذه الدول عن الأخذ بأسباب التقدم مما ساعد على ايجاد الفجوة الحضارية ونشوء حاجز التخلف العلمي والتكنولوجي والهوة التكنولوجية بين هذه الدول .

ونتيجة للعجز عن الخروج من دائرة التخلف الحضاري سوف يكون الفارق بين الدول التي تساير التطور والدول التي تعجز عن مسايرته كبيراً جداً ، وسوف يكون أكبر بكثير من الفارق بين دول الاستعمار والشعوب التي رضخت لطغيانه . فالخطر الحقيقي على أي أمة هو ان تتعثر خطواتها في الخروج من دائرة التخلف أو ان تقوم في العالم علاقات حضارية غير متكافئة تزيد الأقوياء قوة والضعفاء ضعفاً .

ويكمن وراء التعصب الحضاري الفكر العنصري الذي تنبه الى خطورته علماء الأنثروبولوجيا . ويؤيد ذلك الوثيقة العالمية المشهورة التي أصدرها المؤتمر

الذي انعقد في موسكو في الفترة من ۱۲ - ۱۸ آب -

أغسطس عام ١٩٦٤ ، وأشرف على عقده هيئة

اليونسكو وهي أن شعوب العالم اليوم تمتلك طاقات

بيولوجية كامنة متعادلة تسمح لها بالوصول الى أي

مستوى حضاري .


وفي هذا المجال نشرت هيئة اليونسكو مجموعة من

أهم البحوث التي قدمت اليها في كتاب بعنوان

العلاقات المتبادلة بين الحضارات ، التي تدعو الى

أهمية الحفاظ على الأصالة الحضارية للدول التي تسعى

للحاق بركب التصنيع والتكنولوجيا . ومن ناحية

أخرى حددت مشكلات العلاقات الحضارية في العالم

المعاصر وتشمل :


. مشكلات الشعوب التي بدأت احتكاكها

بالتغير التكنولوجي


. مشكلات الشعوب التي حصلت حديثاً على

استقلالها .


. مشكلة فهم هذه الشعوب واحترامها من قبل

الأمم الأخرى .


. مشكلات التأثيرات المتبادلة وضروب التوتر

وسوء الفهم بين الأمم في العالم ، التي أحست مؤخراً

باعتماد كل منها على الأخرى


وفي الثلث الأخير من القرن العشرين يواجه العالم

أزمة طاحنة من جراء اتساع الهوة بين البلاد المتقدمة

والغنية وبين البلاد المتخلفة والفقيرة ، ولا أمل للدول

المتخلفة في اللحاق بالدول المتقدمة إن لم تبذل جهداً

متواصلاً ومثابرة على العمل ، واقتصادا تاماً ،

والتضحية بكثير من العادات المبنية على الجهل أو

الخمول او ضعف روح الجد والنظام ، لكي يمكن

اجتياز حاجز التخلف العلمي والتكنولوجي واجتياز

فجوة التخلف الحضاري


ولقد دخل العالم مرحلة الثورة الصناعية التي

يطلقون عليها الثورة العلمية والتكنولوجية . وأصبح

لزاماً على الدول المتخلفة الإسراع في تحطيم أسطورة

التخلف العلمي وما صاحب ذلك من كسر التحدي

الحضاري بجميع أساطيره ، وكذا الاندفاع سريعاً

نحو اللحاق بمسيرة التقدم العلمي في العصر الحديث والأخذ بحضارته الباهرة لكي يمكن التخلص من الهوة التكنولوجية واستيعاب علوم العصر .

ومن الناحية العسكرية تحدث الفجوة التكنولوجية لو احرز احد الجانبين تفوقاً على الآخر في الأسلحة والمعدات والصناعات الحربية وغيرها من الصناعات الاستراتيجية او الاختراعات ، بحيث يكون هذا التفوق في النوع لا في الكمية

ويترتب على حدوث الفجوة التكنولوجية خلل في موازين القوى العسكرية لصالح الدولة ( أو مجموعة الدول ) التي احرزت التفوق في هذا المجال ، وهو امر قد يغري بإشعال الحروب . ومن أجل ذلك فإن تغطية تلك الفجوة أو منع حدوثها والسعي الدائب نحو احراز التفوق على الخصم يصبح جوهر السباق الرهيب نحو التسلح ، وما ينطوي عليه من إنفاق أموال باهظة في البحوث والتطوير .

ومع التقدم الهائل في العلوم والتكنولوجيا في النصف الثاني من القرن العشرين اصبحت الشعوب حتى في الدول العظمى تعاني من آثار سباق التسلح ، وظهرت في المجتمع الدولي محاولات للحد منه و خاصة بين القوتين العظميين في العالم ، لكنها لم تفلح في ذلك . وظل شبح حدوث الفجوة التكنولوجية يدفع كلا الجانبين إلى المزيد من السباق .

ففي حزيران - يونيو ۱۹۷۷ سارع وزراء الدفاع المنظمة حلف شمال الاطلنطي الى الاجتماع لمناقشة الخطوات التي تستهدف تدعيم القوة النووية الضاربة للحلف ، وذلك في مواجهة التطور الخطير الذي قام به الاتحاد السوفييتي في اسلحته النووية ، والتي تشتمل على مجموعة واسعة النطاق من الصواريخ الجديدة المتوسطة المدى ذات الرؤوس الذرية المتعددة من طراز ( اس اس ۲۰ ) .

وأجرى خبراء الطاقة النووية دراساتهم حول انشاء قواعد الصواريخ كروز النووية الأمريكية في دول الحلف في أوروبا ، كما بحثوا في الوقت نفسه تزويد القواعد النووية التكتيكية التابعة للولايات المتحدة في غرب أوروبا ( وتقدر بحوالي ۷۰۰۰ صاروخ


أمريكي ) برؤوس ذرية جديدة أكثر من الرؤوس الموجودة في ذلك الوقت في طاقتها التدميرية

   الفجوة التكنولوجية والردع النووي

وقد أدى السباق لمنع الفجوة التكنولوجية الى ان اصبحت نظرية الردع النووي هي مفتاح الاستراتيجية في القرن العشرين بالنظر الى حدوث ( توازن ذري ) بين القوتين العظميين في العالم . وقد أحدث هذا التوازن اقتناعاً لدى كل منهما بعدم جدوى الحرب التي تعتبر انتحاراً رهيباً ، لأن كلا منهما يملك القدرة على الردع والانتقام اذا ما تلقى الضربة المدمرة أولاً . يقول الجنرال اندريه بوفر . . ان رجل القرن العشرين الذي تلاحقه مآسي الحربين العالميتين ١٩١٤ - ١٩١٨ و ١٩٣٩ - ١٩٤٥ هذا الرجل المسلح بكل وسائل العلم الحديث ، ربما وجد أخيراً الوسيلة لمنع وقوع مثل هذه الماسي ، وهي استراتيجية الردع . .

فإذا حدث خلل في هذا التوازن نتيجة لحدوث فجوة تكنولوجية باحراز أحد الجانبين تفوقاً ساحقاً - وهو أمر وارد - فلربما يؤدي هذا الى وقوع حرب عالمية على الفور .

الفجوة التكنولوجية بين اسرائيل والعرب

وبالنظر الى وضع اسرائيل والى ظروفها البشرية والاقتصادية والسياسية والى أهدافها ونواياها ، فإن تصميمها على التفوق النوعي على العرب يشكل احد الأركان الرئيسية في استراتيجيتها العسكرية . أي انها تسعى دائماً لأن تكون هناك فجوة تكنولوجية لصالحها بينها وبين العرب الذين يتفوقون عليها تفوقاً ساحقاً في العدد

ومن أهم الأسس التي تقوم عليها نظرية الأمن القومي الاسرائيلي :

القدرة على الردع الشامل نتيجة التفوق النوعي ) .

وسعياً إلى تحقيق التفوق النوعي انتهجت اسرائيل الطرق والأساليب التالية :

١ - العمل على جذب العناصر الفنية المدربة عن طريق الهجرة الى اسرائيل من الدول الصناعية لكي تعتمد عليها في اقامة قاعدة صناعية متطورة .

٢ - الارتباط العضوي بالقوى العالمية التي تزودها بأحدث المعدات والأسلحة

٣ - الاعتماد على البحوث العلمية والجهود الذاتية لتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعة والانتاج الحربي حتى يظل لها التفوق التكنولوجي على العرب في حالة تقلص التوريد الخارجي للأسلحة والصناعات المتطورة

٤ - السعي الجاد نحو تملك السلاح النووي

ولما كان السلاح النووي يمثل قمة التفوق بالنسبة لإسرائيل فقد بدأت فور اعلان قيامها في عام ١٩٤٨ في السعي للحصول على أسرار الذرة .. وقد ظلت اعمالها في هذا المجال مكتومة الى أن ظهرت نياتها لأول مرة بعد العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦ اذ ظهر ان من جملة شروط التعاون الفرنسي الاسرائيلي في مهاجمة مصر ، امداد فرنسا لاسرائيل بأسرار الذرة وموادها الأولية المتيسرة لديها

وبدأت اسرائيل تخطط لبناء الفرن ( المفاعل ) الذري في ديمونا بالقرب من بئر السبع عام ١٩٥٧ ، وكانت فرنسا قد قطعت شوطا بعيدا في مشروعها الرامي إلى صنع أول قنبلة ذرية حتى فجرت أولى قنابلها الذرية في شباط عام ١٩٦٠ في صحراء الجزائر ، وحينئذ سارعت الى اسرائيل - مستغلة حقد فرنسا على العرب في ذلك الوقت - الى الحصول على معونة فرنسا في هذا المجال ، وحصلت فعلا على مقدار من البلوتونيوم وعلى الأسرار الفنية اللازمة ، وعلى الخبراء الذين عاونوا على انشاء مفاعل ديمونا

وقد ادعت اسرائيل - بطبيعة الحال - ان الفرن الذري الذي تبنيه انما هو للأغراض السلمية .. وهدفها من ذلك التمويه والخداع لأن الطاقة الانتاجية للمفاعل تبلغ (٢٤٠٠٠) كيلواط ، وهي طاقة تجعله صالحاً لانتاج البلوتونيوم اللازم لصنع القنبلة الذرية

ويعمل علماء الذرة في اسرائيل في عدة مؤسسات

هي :

أ - لجنة الطاقة الذرية الاسرائيلية

ب - معهد ( وايزمان ) في ( راحبوت ) ويبحث في الرياضيات التطبيقية والفيزياء وفي الالكترونيات والتصوير الكيماوي وفي غيرها من العلوم ، وقسم الفيزياء الذري في هذا المعهد هو الذي يقوم بمعظم البحوث الذرية الاسرائيلية

ج - مجلس البحوث الوطني ، وهو مجلس تنسيقي للبحوث التي تجرى في المعاهد الاسرائيلية ويرأسه العالم الاسرائيلي ( دوستروفسكي ) الذي كان يشغل منصب مدير قسم النظائر المشعة في معهد وايزمان .

د - مديرية العلوم بوزارة الدفاع الاسرائيلية وتشرف على جميع القضايا العلمية للقوات المسلحة الاسرائيلية بما فيها القضايا الذرية

وتفيد اسرائيل من خبرة علماء الذرة العالميين من اليهود ومن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تعتبر أهم مؤسسة علمية في المؤسسات العلمية الدولية

هذا فضلاً عن ان معهد وايزمان للأبحاث العلمية اكتشف طريقة جديدة لانتاج الماء الثقيل نتيجة لجهوده التي بدأها عام ١٩٥٧

كما ان اسرائيل لا تألو جهداً في الحصول على أسرار الذرة الى حد استخدام العملاء لتزويدها بما تريد وقد ذكرت الأنباء تسرب أسرار احدى الدول الأوروبية على يد بعض اليهود

وبعد حرب رمضان تشرين الأول - اكتوبر ۱۹۷۳ والهزيمة التي منيت بها اسرائيل وظهور قوة العرب كان لزاماً على قادة اسرائيل ان يبحثوا عن الوسائل التي تبقي الفجوة التكنولوجية لصالحها وذلك بعد ان رأوا أنها مهددة بالتقلص مع مرور الزمن وخاصة بعد اتجاه العرب الى تملك نواحي العلم والتكنولوجيا سواء عن طريق الخبرات الأجنبية او الجهود الذاتية . وظهرت بوضوح اتجاهات اسرائيل العلنية نحو صناعة القنبلة الذرية التي تستهدف بها اقامة و ميزان رعب يردع العرب عن مهاجمتها ، وقد صرح رئيس الاركان

الاسرائيلي بصفة رسمية في حزيران - يونيو ١٩٧٥ بقوله ( انه يمكن التنبؤ بتغيير ثوري في الشرق الأوسط خلال ١ - ١٥ سنة مع انتشار السلاح الذري وتطور أشعة ليزر ) كما أعرب عن آماله بأن يخلق هذا السلاح في المنطقة ميزان رعب يقلل من خطر الحرب .

ومن أجل هذا رفضت اسرائيل الانضمام لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية مما يدل على سوء النوايا التي يواجهها العرب بالتصميم على ان تدفع اسرائيل الثمن وان تتحمل نتائج ادخال السلاح الذري الى  منطقة الشرق الأوسط

تعليقات