من الفيلسوف الذي اعتبر السعادة هي الغاية

 





ميل ، جون ستيورات ( ١٨٠٦ - ١٨٧٣ )

Mill, John Stuart

فيلسوف واقتصادي انكليزي ، يمثل قمة الفكر الليبرالي المتطلع نحو اشتراكية مثالية في عصره .

اقتبس فلسفته من مذهب هيوم (Hume) التجريبي ومذهب بنثام (Bentham) القائم على مفهوم المنفعة ، ومذهب والده جيمس ميل (James Mill) الترابطي ، وشدد على المدى المحدود الذي وصلت اليه نظرياتهم ، مجسداً في تركيب رائع المذهب الذري القائم بين الإنسان والعالم .

ولد جون ستيورات ميل في لندن ، وكان البكر الأسرة كبيرة أنجبت تسعة أولاد .

كان والده ، جيمس ميل ، أحد كبار أهل العلم والمعرفة في القرن الثامن عشر . عاش بعيداً عن تأثير التيارات الرومانتيكية الجديدة ، وترك فيه بنثام والماديون الفلاسفة الفرنسيون أثراً كبيراً . وقد أنشأ ابنه جون ستيورات في عزلة عن بقية الأطفال ، فنال تربية عقلانية . تعلم جون الاغريقية في السنة الخامسة من عمره ، حيث اطلع على أعمال هيرودوت وأفلاطون ، وتعلم اللاتينية في التاسعة ، وفي الثانية عشرة درس ارسطو ومنطق هوبز ، وفي الثالثة عشرة قرأ مبادىء ريكاردو . كان غذاؤه الفكري موجهاً بعناية من قبل أبيه وخليطاً من العلم الطبيعي والآداب الكلاسيكية ، وحين بلغ جون الرابعة عشرة ، كان له من المعرفة والاطلاع ما كان الرجل في الثلاثين . لقد نجح والده في ان يجعل منه كائناً عقلانياً مزوداً بمعلومات واسعة .

لم يكن جون ثورياً بطبعه ، وكان يحب أباه ويعجب به أيما اعجاب ، كان مقتنعاً بصحة معتقداته الفلسفية ، ووقف مع بنثام ضد النزعة اليقينية وكل ما كان يقاوم مسيرة العقل والتحليل والعلم التجريبي ، كان يجاهر باستمرار بأن السعادة هي الغاية الوحيدة للوجود البشري ، وكان ما يخشاه ويمقته ضيق الأفق وسحق الأفراد من قبل وطأة السلطة أو العادة او الرأي العام ، لذا وقف بحزم ضد عبادة النظام .

في السابعة عشرة من عمره ، بلغ مبلغ الرجال على المستوى العقلي ، فقد كان صافي الذهن ، صريحاً ، فصيحاً جداً ، بالغ الوقار دونما أثر الخوف او غرور ، وخلال السنين العشر التالية ، زاول كتابة المقالات والنقد ، وحمل عبء الحركة النفعية على كاهله ، وكانت مقالاته مصدر شهرة واسعة له ، مما جعله خبيراً في الشؤون العامة . لقد امتدح ما كان أبوه امتدحه من قبله ، العقلانية والمنهج التجريبي ، والديمقراطية والمساواة ، وهاجم ، ما كان يهاجمه النفعيون ، التعصب الديني والإيمان بالحقائق البديهية التي لا يمكن إقامة الدليل عليها ونتائجها اليقينية التي أفضت في رأيه الى التنازل عن المنطق .  

في العام ۱۸۳۰ تعرف ميل الى السيدة تايلر (Mme) (Taylor) ، وشغف بها حباً ، وأراد أن يظهر لها انه فارسها الوفي طيلة عشرين عاماً قبل ان يتزوجها في العام ١٨٥١ ، لقد ألفى لدى السيدة تايلر رقة عاطفية مميزة توخى من خلالها ان يجد كوة فكرية يطل منها على القضايا الإنسانية والاجتماعية التي كانت مثار اهتمامه على الدوام . لقد اعترف لها بحب جامح تضمنه الإهداء الموجه لها في كتابه (On Liberty) ، بيد ان سعادتهما لم تدم ، فقد توفيت زوجته في العام ١٨٥٨ ، مما حمل ميل على الاعتكاف في منزل صغير في إحدى ضواحي أفينيون .  

لقد نشر ميل خلال اربع عشرة سنة العديد من المقالات والكتب ، تناول فيها بالبحث قضايا فلسفية وسياسية واقتصادية ، ورغم الشروط التي وضعها ، فإنه لم يساهم في أية حملة انتخابية حين قرر أن يخوض ميدان السياسة ، وطالب بحق التصويت للمرأة وانتخب نائباً عن وستمنستر (Westminster) في العام ١٨٦٥ ، وشارك في المناقشات حول المسألة الإيرلندية ، وأبدى تعاطفاً مع السود في جامايكا ، وانتقد الأحزاب ، لذا لم يفاجأ حين لم ينتخب مجدداً في العام ١٨٦٨ ، فعاد الى عزلته في منزل صغير في سانت فيران، حيث انكب على القراءة والكتابة مكرساً لهما كل وقته .  

يقول ميل : ( حين يتعارض مبدآن أو أكثر من المبادىء الثانوية ، فإن التوجه مباشرة صوب مبدأ من

الطراز الأول يصبح ضرورة ، وهذا المبدأ هو المنفعة ) ، فأسمى القيم في الحياة العامة بالنسبة اليه كانت حرية الفرد والتنوع والعدالة وصولاً الى السعادة البشرية .

لم يكن ميل يعتبر الاشتراكية ، التي دافع عنها في كتابه « الاقتصاد السياسي » ، خطراً على حرية الفرد ، كما كان يعتبر الديمقراطية مثلاً ، وذلك عائد لتأثير السيدة تايلر ، فعلى الرغم من مجاهرته بآرائه الاشتراكية - فإن أياً من القادة الاشتراكيين في زمنه مثل ( لويس بلانك وبرودون وسال ، لم يعتبره رفيق درب ، إذ كان بنظرهم التجسيد الحي لإصلاحي وديع ليبرالي ، أو راديكالياً برجوازياً ، وهذا الأمر أقره الفابيون الذين اعتبروه أباً روحياً لهم .

يعتبر ميل انه اذا تسنى لكل إنسان ان يعرف قدر ما يستطيع ، ولم يتسن له من السلطة الا مقدار معين ، فقد نتجنب حينئذ دولة « تمسخ مواطنيها ، يكون فيها الحكم المطلق بيد رأس السلطة التنفيذية على مجموعة من الأفراد المتفردين ، المتساوين كلهم ، إلا أنهم عبيد كلهم أيضاً ، ذلك انه ، اذا كان الناس أقزاماً فلا يمكن انجاز أشياء كبيرة ، كما ان خطراً مريعاً يكمن في تلك العقائد وأشكال الحياة التي تمسخ البشر ، فالإدراك المرهف لأثر التربية الجماعية التي تجرد البشر من مزاياهم الإنسانية ، وتجعلهم كائنات غير عقلانية ، يجب التصدي لها ومقاومتها بمختلف الوسائل . لقد 1 اطلق ميل مقولة وسمت الحقبة التاريخية التي عاش فيها ، ومفادها : « ان كل ما يقيد المنافسة الحرة هو الشر المطلق ، وكل ما يطلقها هو الخير العميم » .  

من مؤلفاته : الحرية (La Liberté) (١٨٥٩) ، اعتبارات حول الحكومة التمثيلية (Considerations sur le Gouvernement Représentatif) (١٨٦١) ، ومبادىء الاقتصاد السياسي (Principes D'Economie Politique) (١٨٤٨) .

تعليقات