لماذا قللت الحرب الأهلية الأمريكية من قيمة الفرد إزاء الجماعة عند القاضي هولمز

 





هولمز ، اوليفر وندل الابن (١٨٤١ - ١٩٣٥)

Holmes, Oliver Wendell, Jr.

فيلسوف وعالم قانون اميركي . نشأ في دائرة جامعتي بوسطن وكامبردج الفكرية والأدبية والعلمية . وقد استحوذت الحرب الأهلية التي دارت بين الشمال والجنوب على كل فترة شبابه . إذ كان طالباً عندما تطوع في الجيش المقاتلة الانفصاليين في الجنوب . وهذا ما جعله فيما بعد يثير موضوع الحرب في أكثر من مناسبة ، كي يبرر مواقفه حول نقاط تتعلق بفلسفة القانون . وقد قال فليكس فرانكفورتر عنه « كان للحرب الأهلية تأثير عميق على حياته

صحيح انها لم تكن وراء مفهومه عن مصير الإنسان ، إلا أنها عملت على تثبيت هذا المفهوم . . . .

درس القانون بعد رجوعه من الحرب . إلا أن الفلسفة كانت تستهويه كثيراً . فاطلع على كتابات دايفيد هيوم وجون لوك وتوماس هوبز ووليام جيمس وجون ستيوارت ميل و هربرت سبنسر . وبعد حصوله على شهادته ، توجه الى انكلترا ، فالتقى هناك جون ستيوارت ميل وليسلي ستيفان ، وخلال فترة الدراسة ، اصبح صديقا حميما لوليام جيمس، الذي كان يدرس الطب . كانا يتناقشان طويلا في الفلسفة مع كثير من اساتذة الرياضيات والفلسفة . ثم عملا معاً على تأسيس « نادي الفلسفة الماوراثية » . انضم اليهما عدد كبير من رجال الفلسفة والقانون المعجبين مثلهما بالفلسفة الانكليزية وبكتاب شارل داروين « أصل الأنواع » . وقد ساهمت

المناقشات التي كانت تدور في النادي الى ظهور تيار البراغماتية ، في القانون والفلسفة ، كما أتاحت الهولمز ان يعمق معارفه الفلسفية والقانونية .

وفي سبعينات القرن الماضي كتب هولمز مجموعة مقالات لمجلة القانون الاميركية American Law) (Review) التي أصبح فيما بعد ولفترة وجيزة رئيس تحريرها . بعد ذلك ، دخل معترك الحياة العملية فأصبح مدرساً . وفي هذه الأثناء نشر نظريته في القانون ، كما عرضت عليه جامعة هارفارد وظيفة استاذ متفرغ ، فقبل العرض ، لكنه لم يبق طويلا، إذ عين بين سنة ۱۸۸۲ و ۱۹۰۲ قاضياً في محكمة ماساتشوستيس العليا ثم قاضياً في المحكمة العليا للولايات المتحدة (۱۹۰۲ - ۱۹۳۲ ) .

كان هولمز رجلاً ديموقراطياً . لكنه كان يرفض فكرة الحق الطبيعي ويقبل طوعاً بتضحية الفرد في سبيل المجتمع . ويبدو ان الحرب الأهلية التي خاضها انعكست على فلسفته السياسية فجعلته يقلل من شأن الفرد ويعطي الأهمية الأولى للجماعة في الكون . كما كان يؤمن بتقدم الإنسانية على قاعدة العلم ، ويحلم بمجتمع يقوم على العلم اساساً ، اذ كان يقول : و ان نظام الحق الأمثل هو النظام الذي يستمد مبرر وجوده من العلم .

اما على صعيد القانون، فإنه كان يميز بين جوهر القانون وشكله، ويرى أن جوهر القانون هو في انسجامه مع وضعية المجتمع وتطوره ، لذا كان يعطي اهمية خاصة للدور الذي تقوم به المحاكم والأحكام الصادرة عن القضاة أكثر من الأهمية التي يعطيها لأحكام المشرع . وهنا نجد تأثير فلسفة داروين والفلسفة البراغماتية واضحين في تفكيره .

لقد ساهمت أعمال هولمز وأفكاره بإعادة النظر بالتفسيرات المأخوذ بها في عالم القانون ، كما أنها ساهمت بظهور تيارين في الفكر القانوني الأميركي : تيار علم الاجتماع القانوني الذي كان هو احد ممثليه ويعطي الأهمية لربط القانون بتطور المجتمع ، وتيار الواقعية القانونية الذي عمل على تعميق نظريته في

« توقع الآثار التي يخلقها القانون » . وهذان التياران هما في أساس توجه معظم الدراسات الأميركية حالياً في مجال القانون .

تعليقات