ما هي النظرية الميكانيكية ولماذا عارضها الكثيرون

 








الميكانيكية

The Mechanism

Le Mécanisme

نظرية فلسفية تستلهم تفسيرها للواقع والظواهر المادية والنفسية والسياسية من قوانين الميكانيك المطبقة في الفيزياء على حركة الاجسام مثل : قانون حفظ كمية الحركة والفعل ورد الفعل والقوة الجاذبة الى ما هنالك ..

وتتميز التفسيرات الميكانيكية بشكل عام برد حركة المادة الى قوة خارجة عنها تسيرها بشكل

منتظم ومتساوق نحو غاية معينة . وقد اهتم الانسان منذ القدم بدراسة الحركة واشكالها . وكان الفلاسفة اليونان اول من حاول دراستها بشكل علمي . فزينون الايلي كان يعتبر انه لا يمكن وصف حركة جسم ما بتعداد الحالات المتتابعة لحركته في المكان . وكان ديموقريطس يعتبر ان حركة الجزئيات المادية هي التي تشكل العالم وفق حتمية دقيقة . لكن ابيقور ادخل نوعاً من اللاحتمية عليها . اما ارسطو فكان يعتبر ان الاجسام تتميز بنزوع طبيعي لاحتلال مكانها في الكون . فالهواء يتجه الى أعلى والحجارة تتجه الى أسفل . وجاء هيروقليطس ليقول بأن الحركة هي مبدأ الوجود والصيرورة . ومع ديكارت اصبحت الميكانيكية هندسية وانحصرت في حركة المادة في المدى . فالاجسام ليست سوى اجزاء من المكان . الا ان ديكارت عمل على التوفيق بين الميكانيكية على مستوى المكان والميكانيكية على مستوى الفكر . فالجوهر الروحي اي النفس هي مستقلة بنظره عن الجسد المتحد بها وتعود الى الخالق الذي اوجدها . وعارض ليبنتز ديكارت في مفهومه للحركة وادخل مفهوم القوة وكان يرى ان الميكانيكية هي مفهوم مجرد ويوجد وراء مظهرها المادي قوة ذات طبيعية روحية .

ومع ظهور الفيزياء الحديثة وقوانين الترموديناميك بدأ مفهوم الميكانيكية التقليدية يتراجع وكان هيغل بمفهومه الجدلي للحركة « اول من اطلق النار على الميكانيكية » كما يقول انغلز . فبين في « علم المنطق » ان الميكانيكية - المادية ترى ان المادة ساكنة وان حركتها لا يمكن ان تأتيها الا من الخارج وان الطبيعة هي كل هادف . لكن الحركة هي جدلية .

وامتد نقد الميكانيكية التقليدية الى المفاهيم الفلسفية والسياسية ، والاقتصادية . فقدم انغلز نقداً للميكانيكية في كتابه « جدلية الطبيعة ، وركز على وجهها الايديولوجي ، كشكل مسطح

ومبتذل ، للمادية الماركسية وربطها بالنزعة الاقتصادوية التي تفسر التاريخ بالعامل الاقتصادي وترد كل التشكيلات الاجتماعية - الاقتصادية الى البنية الاقتصادية وحدها . مما دفعه فيما بعد الى وضع مفهوم « الحتمية الاقتصادية في نهاية المطاف » رداً على هذا « الانحراف النظري » في تفسير المادية التاريخية .

كما ان لينين وقف بحزم ضد النتائج السياسية للايديولوجية الميكانيكية الانتهازية او الدغمائية . وهاجم بعنف جناح البولشفيين الذين عجزوا عن فهم عملية الانتقال من المرحلة الديموقراطية - البورجوازية الى الثورة الاشتراكية .

وقد وصف مفهوم ستالين للمادية التاريخية الخاص بالتتابع الخطي لانماط الانتاج وتعداده لها بخمسة انماط بحيث ان كل نمط يولد الآخر بصورة مستمرة بفعل قوى الانتاج ، بأنه مفهوم ميكانيكي لا علاقة له بالجدلية الماركسية التي تقوم على نظرية التناقض اساساً .

ولم تسلم النظرية الميكانيكية ايضاً من نقد الفلسفات الأخرى وعلى الأخص الفلسفة الظاهراتية التي ترى ان المفاهيم الميكانيكية الموروثة عن بافلوف في مجال الفيزيولوجيا هي خاطئة من وجهة النظر التجريبية .

ويرى البيولوجيون امثال كلود برنار انه يجب الحفاظ على خصوصية الكائن الحي وعدم اختزاله الى ميكانيكية فيزيائية - كيميائية .

وفي علم الاجتماع السياسي يتم الربط بين الميكانيكية والمدرسة الوظيفية التي لا تعير الانتباه الى دينامية التغير التي تتحكم بتطور الانظمة الاجتماعية والسياسية وتعزو هذا التغير الى خلل يطرأ على وظيفة إحدى أجهزتها .

وهكذا يمكن الاستنتاج بأن النظرية الميكانيكية هي نظرية احادية تبسطية تعمل على تقطيع التاريخ الى

فترات متسقة ومتتالية وجامدة دون ان تأخذ بالاعتبار حركته الداخلية وتفاعلها مع الخارج على جميع المستويات .

تعليقات