المجتمعات البدائية
Primitive Societies
Sociétés Primitives
تدرج عادة تحت هذا المصطلح كل المجتمعات ما قبل الصناعية ذات التراث المروي ، اي التي تجهل
الكتابة او لا تستخدمها . لتمييزها عن المجتمعات الاوروبية والشرقية . وهي تدخل في نطاق دراسة علم الانتروبولوجيا . غير ان اطلاق تسمية ( بدائية ) على هذه المجتمعات يعود لمجموعة من الاحكام المسبقة اكثر منه لكونها ( بدائية ) فعلاً . فضلا عن ان هذا المصطلح مستخدم للدلالة على مجموعة كبيرة من المجتمعات المتفاوتة جدا فيما بينها من حيث تنظيمها الاجتماعي ومستوى تطورها الاقتصادي والثقافي والسياسي ، لدرجة أنه بالامكان اقامة ترتيب هرمي ضمنها تكون بعضها فيه « بدائية » بالنسبة لأخرى . كما ان هذه التسمية قد توحي بأن التنظيم الاجتماعي فيها يمثل مرحلة تاريخية بدائية سبق ومرت فيها المجتمعات المتطورة . في حين ان كلا منها تمثل تكيفا متميزا مع الشروط البيئية التي تعيش ضمنها ، وتعبيرا مبدعاً لقدرات الانسان على خلق الشروط الاقتصادية والاجتماعية لاستمراره .
وإن كان بالامكان اطلاق مصطلح ( البدائية ) ، فهذا لن يكون إلا على عدد محدود جداً من المجتمعات التي تفككت او هي في طريقها للزوال ، كـ : البوشيمان ( جنوب افريقية ) والبيجمة ( وسط افريقية ) والغة ( الامازون ) وسكان شمالي استراليا ، والتاساداي ( فيليبين ) . وتقوم كلها على ابسط تنظيم اجتماعي معروف : العصبة (La Bande) .
تضم كل عصبة عائلة او مجموعة عائلات ( بحدود بضعة عشرات من الافراد ) . وكل مجموعة من العصب . تشكل وحدة ثقافية لها نفس اللغة والثقافة . غير ان الصلات ضمن هذه الوحدة تنحصر غالبا في التزاوج واحياء بعض الطقوس اثناء الاعياد . إذ ان كلا منها تشكل بمفردها وحدة اقتصادية - سياسية مكتفية بذاتها ولها حيزها الجغرافي ويقوم على رأسها زعيم لا تتعدى سلطته حدود العصبة . كما ان صلاحياته ضمنها تقتصر غالباً على مجال الصيد ( قيادة الرحلات ، تحديد خط المسير ومكان المخيم . . الخ ) واحياناً تمتد لتطال الشؤون الدينية . وفي بعض المجتمعات ، لا يكون للزعيم اية سلطة قضائية ، وعندها يتم حل النزاعات استنادا للاعراف المتوارثة . اما الصراع مع التجمعات الأخرى ، فهو أمر نادر الحدوث .
هذا التنظيم يميز المجتمعات التي تعيش على الصيد والالتقاط والقطاف ، وهي لا تعرف التقسيم الاجتماعي للعمل الا بشكله الأكثر بدائية ، أي التقسيم بحسب الجنس ، فالرجال يتولون شؤون الصيد ، والنساء يقمن بالتقاط الحيوانات الصغيرة والقطاف والاعتناء بالاطفال والمسكن . اما ادوات الانتاج ( قوس عصا . . الخ ) فهي ملكية فردية، في حين ان الطرائد التي يتم اصطيادها جماعياً تكون ملكاً للجماعة ويجري توزيعها ضمن نظام معين .
إن شروط البيئة ، وضعف مستوى التطور التقني وغياب فائض الإنتاج ، وصغر حجم العصبة ، والتكامل الضروري والحيوي بين افرادها ، ينفي امكانية وجود تمايز طبقي وتضارب مصالح داخل العصبة . وضمن هذه الشروط ، يتم الحفاظ على تماسك الجماعة بواسطة ايديولوجية تستمد شرعيتها وهيكلها من نظام القرابة القائم والمعتقدات الدينية ، وهي تملي نظاماً للاعراف والسلوك للجماعة التي تقوم ، بوصفها كذلك ، بقمع اي انحراف فردي .
ابتداء من هذا التنظيم البسيط ، يمكن رصد عدد كبير من الدرجات والتنظيمات المتمايزة ، بحسب البيئة او النشاط الاقتصادي او طريقة انتظام السلطات . . الخ . وبشكل عام يصنف علماء الانتروبولوجيا ( المجتمعات البدائية ، في ثلاثة مستويات من الاندماج الاجتماعي - الثقافي : العصبة ، العشيرة ، القبيلة .
ليس لمصطلحي ( عشيرة وقبيلة ، هنا علاقة مباشرة مع التنظيم البدوي ، والهدف من استخدامهما هو الدلالة على وحدات اجتماعية - سياسية ، ذات ابعاد متمايزة .
يعين مصطلح العشيرة (Tribu) درجة من
الاندماج الاجتماعي لعدد كبير نسبيا من العائلات التي تجمعها روابط الانتماء لجد مشترك ( حقيقي او وهمي ) . وضمن هذا التجمع تنشأ عدة تقسيمات ، اضافة الى تقسيمات القربى التي تبقى اساسية ، لتخلق تماسكا في لحمة القبيلة ( مراتب بحسب السن ، جمعيات محاربين . . الخ ) . ويزداد الانقسام الاجتماعي للعمل نسبيا ، مما يرفع من وتائر الانتاج ويخلق فائض عمل بسيطا يتيح المجال لنشوء لا مساواة اجتماعية نسبية ، وظهور بعض التراتب في السلطة او المكانة . غير ان هذا التمايز لا يعود فقط لاسباب اقتصادية ، بل تلعب فيه ايضا ( اسباب اجتماعية او دينية [ عشيرة ذات اعتبار اكثر من غيرها مثلاً ] ، احترام الاكبر سنا ، ارجحية رأي رجل دين . . الخ ) . كما ان هذا التراتب قد لا يستمر مع الاجيال ولا يتقونن . او يتمأسس ، بل يعيد انتاج نفسه مع كل جيل او اكثر.
هذه المجتمعات تعرف ، عموما ، الزراعة وتربية الحيوانات الى جانب النشاطات الاخرى ( الصيد . . ) وهذا ما سمح لها ، على الأغلب ، بحياة مستقرة نسبياً ، وبعض الوفرة ، دون ان يؤدي هذا الى نشوء طبقات بمعنى الكلمة ، او تناقضات مصالح ذات طابع اقتصادي بحث . وهذه الاخيرة إن وجدت ، فهي ذات طابع فردي . ويبقى الناظم الاساسي للتماسك الداخلي هو التضامن القبلي الذي يستمد قوته ، بهذا الشكل او ذاك ، من علاقات القرابة ، وهو ينفي امكانية وجود مؤسسات سياسية مستقلة .
في المستوى الثالث : القبيلة (Chefferie) تنخفض اهمية علاقات القرابة في تحقيق التماسك الاجتماعي . بالمقابل ، يزداد الانقسام الداخلي الى فئات متمايزة فيما بينها بحسب معايير تستند الى مقام الافراد او وضعهم الاجتماعي - الاقتصادي او الايديولوجي ( نبلاء ، رجال احرار ، عبيد . . الخ ) مما يفترض ان اللامساواة بين افراد المجتمع اصبحت اكثر عمقاً . وتنطوي على تناقضات معقدة