كيف كان رأي أفلاطون في السياسة

 






محاورة السياسي ( كتاب )

Politique, Le dialogue du

تنتمي محاورة أفلاطون هذه ، على غرار ( محاورة بر منيدس ) و محاورة السفسطائي ) و محاورة ثيا تاتوس ) ، الى تلك المجموعة من المحاورات التي عرض فيها الفيلسوف الاغريقي نقده لنظرية المثل . وفي هذا المؤلف ، الذي يشكل بنوع ما تتمة ( المحاورة السفسطائي ) ، نرى سقراط يناقش فيلسوفاً من المدرسة الايلية يدعوه باسم الغريب . ويدور النقاش حول فن رجل السياسة او علمه وفق منهج جدلي صارم . وبعد سلسلة من ( تقسيمات ، دقيقة ، لا تخلو من التناقض في بعض الاحيان ، يتوصل الغريب ) الى تصنيف رجل السياسة في عداد الذين يحوزون علما ؛ وما يميز هذا العلم هو انه يمارس على البشر ، الذين يمثلون جزءاً من النوع الحيواني : فهم من ذوات القائمتين وانما بلا ريش ولا قرون ) . ويرى ( الغريب ) انه يجدر التمييز ، بادىء ذي بدء ،

بين الملك والراعي ، ففي حين يتولى هذا الاخير تأمين الغذاء لقطيعه ، يكتفي الملك باحاطته بعنايته : انه يحكمه . وصحيح انه كان للبشر ، في يوم من الأيام ، راع : بيد أنه كان ذا طبيعة الهية ، وذلك يوم كانت البشرية تخضع لحكم الآلهة المباشر .

مهمة الملك اذن ان يحكم ؛ غير انه ينبغي التمييز بين

حكم يقبله الشعب وبين الاستبدادية . ومع ذلك

يبقى هذا التمييز غير كاف : اذ لا بد من التمييز ايضاً

بين فن السياسة والفنون الأخرى المرتبطة به على غرار

ما يتعين التمييز ، عند التصدي لتعريف الحائك ،

بين فنه هذا وبين فنونه الفرعية ، كالغزل والتحبيل ،

الخ ، وذلك للوصول الى فن حبك اللحمة والسداة

الذي هو فن قياس . والقياس هو تعريف لكمال ،

لوسط صحيح ، على نحو ما يفعل ، تحديداً ، البحث

الجدلي . وبالعودة الى السياسة ، يقول : الغريب )

بضرورة التمييز بين السياسة ، بحصر المعنى ، وبين

جميع الفنون الملحقة بها ، كدراسة الأملاك والأغذية

والحياة الاقتصادية ، وكذلك فنون الساحر

والسفسطائي المصطنعة . اما اشكال الحكم فهي

خمسة : ( الملكية : التي قد تنحط الى و استبدادية ) ،

وه الارستقراطية ، التي قد تفسد فتتحول الى

اوليغارشية ، ، و الديمقراطية ، . بيد ان علما

صعبا وشائكا كالسياسة لا يمكن ان يمارس في ظل

الديمقراطية ومن ثم ينبغي أن يعهد به الى شخص

واحد ، او الى عدد محدود جداً من الاشخاص .

المهم هو تأمين مصلحة الرعايا وخيرهم ، والملك محول حق تغيير القانون سعياً وراء هذا الهدف . وعلى كل حال ، لن يكون للقانون من معنى في ظل حكم يتصف بصفة الكمال . والادعاء بأن القانون ثابت ، غير قابل للتغيير او التعديل ، يعني كبح التقدم . لكن بما ان جميع الحكومات البشرية ناقصة وبعيدة عن الكمال ، فإن القانون يبقى ضرورياً لها الحماية الرعايا من العسف . يستحسن اذن التقيد بالقوانين التي هي ثمرة التجربة والمعرفة : الأمر الذي يعني ادانة الطغيان والأوليغارشية اللتين تنزعان الى العسف ومن بين انظمة الحكم الممكنة فعليا ، فإن الملكية


المضبوطة بالقوانين هي الأفضل ، والاستبدادية هي الاسوأ . ولزاما على السياسة ، التي ميزها ( الغريب ) عن الاستراتيجيا ايضا ، وعن الكلام وفن المحاكمة ، ان تنسق بين الفضائل المتناقضة وان تنميها . . . والواقع ان سقراط يكتفي في هذه المحاورة ، كما من قبل في ( محاورة السفسطائي ) ، بأن يترأس الجلسة ، في حين يتولى الغريب ادارة النقاش الذي لا يزيد في حقيقة الأمر عن ان يكون عرضاً وثوقياً ، نظراً الى لين عريكة مناقضيه . اما الشكل الأدبي في ( محاورة السياسي ) ، فقد جاء صارما ، خاضعاً تمام الخضوع للاستدلال الجدلي ، باستثناء المقاطع التي عرض فيها افلاطون اسطورة البشرية البدائية الموضوعة تحت حراسة الراعي الإلهي .

تعليقات